قد يرغب بعض المهاجرين واللاجئين لأسباب سياسية أو إنسانية في منظومة الدول الاسكندنافية (السويد والنرويج والدنمارك) بالتمتع في أجواء الراحة والاستقرار والامتيازات المادية والمعنوية الممنوحة لهم من هذه الدول، من دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن وسائل أخرى قد تساعد الناس وتخدم القضايا الإنسانية المصيرية في المجتمع، ولكن هناك من الناس ممن يرغب إلى جانب حيازته كل هذه الامتيازات، أن ينطلق ويعمل بجد وإخلاص وتفانٍ، من أجل تقديم الخدمات الإنسانية الحميدة لأفراد المجتمع برمته، في مهمات نضالية حقيقية تشق طريقها نحو نشر كل القيم الإنسانية والروحية والأخلاقية السامية الرفيعة، والتصدي لمختلف الظواهر غير المألوفة من ثقافات عدم التسامح والعنف والتعصب الأعمى والعنصرية المقيتة.
بالتأكيد هناك الكثير من النشطاء المناضلين من أجل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ونبذ الكراهية والتعصب والعنف والإرهاب الفكري والعقائدي، الذي صار يكتسح اليوم بلدان ومناطق عديدة حول العالم، بسبب صراع المعتقدات والأفكار المؤدلجة، الذي جوهرها أعطى الأمر للعديد من القوى السياسية والاجتماعية والدينية، بارتكاب الحماقات ونشر الفتن وحروب الإقصاء وكراهية الجنس الآخر.
السيدة مريم عثمان شريفي، هي إحدى النساء المناضلات، عن قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، اللاتي لا يرجون من تقديم خدماتهم الإنسانية سوى الاحترام والتقدير، ممن يشاركون في دفع العمل الإنساني إلى التقدم والتطور المضطرد، وحماية الإنسان والمجتمع من مختلف أنواع التعصب والعنف والكراهية والعنصرية، فمنذ مدة قليلة أعلنت لجنة جائزة مارتن لوثر كينغ لمكافحة العنصرية، في ستوكهولم فوز هذه السيدة السويدية المسلمة من أصول إفريقية (أرتيرية - مصرية) على جائزة المناضل والزعيم الأميركي (من أصول إفريقية أيضا) القس والناشط السياسي والحقوقي مارتن لوثر كينغ، الرجل الذي طالب الأميركيين، بإنهاء التمييز العنصري ضد السود والملونين، واختار بدلا من العنف والتعصب طريق آخر للمقاومة، هو طريق المقاومة المدنية المعتمدة على مبدأ «اللا عنف» الذي شق طريقها من قبله الزعيم الروحي للهند المناضل المهاتما غاندي، وبذلك حصل في العام 1964 على جائزة نوبل للسلام لدعوته إلى اللا عنف، فكان بذلك أصغر رجل في التأريخ (35 عاما) يفوز بهذه الجائزة العالمية.
للنشاط من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان ومكافحة العنصرية في السويد، تقوم لجان ومنظمات المجتمع المدني في السويد بمنح جائزة كينغ الى المتفوقين في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان في السويد والمناضلين ضد الكراهية والعنصرية.
وعلى رغم ما يقال من أن هناك أعدادا كبيرة من القوميات الإثنية والعرقية في البلدان الاسكندنافية، تعاني اليوم من مشكلة التمييز العرقي والعنصرية ضدهم خاصة في سوق العمل والإقامة والمسكن والدخل الاقتصادي الجيد، فإن المنظمات الاسكندنافية المعنية بحقوق الإنسان وحتى بعض الجهات الرسمية، يحرصون على متابعة أوضاع اللاجئين والمغتربين، ويعملون بشكل مستمر على محاربة أشكال التمييز والعنصرية، ولا يخفى على أحد أن ملوك الدول الاسكندنافية، دائما يشيرون في خطابات العرش أو المناسبات القومية أو الدينية، إلى أهمية وضرورة انفتاح شعوبهم على المهاجرين، وعدم استغلال الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان والتسامح، لنشر الكراهية وانتهاك حقوق الأقليات المغتربة في هذه الدول.
وضمن هذا السياق، أكدت المنظمات الحقوقية السويدية، التي تمنح جائزة مارتن لوثر كينغ للمتفوقين في مجالات حقوق الإنسان في السويد، إنها تأخذ في الاعتبار في حساباتها ما يقوم به نشطاء حقوق الإنسان من مختلف الأقليات العرقية والإثنية، من جهود رامية نحو تقديم الخدمات العامة والتعبير عن ثقافات حقوق الإنسان، وإنه من خلال عمل كهذا، يمكن للمتخصصين في هذا الشأن، من كل أفراد المجتمع السويدي ومن الأقليات المغتربة في البلاد، أن يقدموا إسهامات عملية، وأن يحصلوا على جوائز مالية ومعنوية، تقديرا لنضالاتهم الإيجابية في ميادين حقوق الإنسان، وتصديهم لمختلف مظاهر التمييز والتعصب والعنصرية.
إقرأ أيضا لـ "هاني الريس"العدد 2378 - الثلثاء 10 مارس 2009م الموافق 13 ربيع الاول 1430هـ