تأتي ذكرى يوم العمال العالمي الذي يصادف الأول من مايو/ أيار على عمال البحرين هذا العام بطعم مرارة مختلف نوعاً ما، فلا يمكن لأي منهم أن ينسى أن أسبوعاً واحداً فقط هو الفاصل الزمني بين مسيرة عيد العمال التي حملت شعار «من أجل بعد اجتماعي في التنمية الاقتصادية»، وبين شعار آخر نادى به رجل ستيني لم يعرفه الكثيرون منا حتى وفاته في اعتصام نظمته نقابة المصرفيين الأسبوع الماضي للمطالبة بوقف تسريح المصرفيين وموظفي البنوك. لقد ذكرنا هذا الرجل الذي لم يظهر في الإعلام كثيراً ولم نعرفه جيداً دون أن يقصد بمعنى أن يكون الإنسان بطلاً.
كثير مما حولنا يذكرنا بمرارة بأننا نعيش زمن البطولات المزيفة، فالبطولة الحقيقية بمعناها التقليدي الرومانسي ولت دون رجعة «ربما»، ليس هذا هو زمن الأبطال «من لحم ودم»، ففي هذا الزمان الذي تعقدت خيوطه وتشابكت أطرافه وصارت المصالح فيه هدفاً أسمى، لا يمكننا أن نجد إلا أبطالاً من ورق، وبطولات من ورق.
غير أن رمزيات بعينها تظهر لنا بين وقت وآخر، كحادث وفاة النقابي عبدالجليل عمران في وسط اعتصام عمالي لنقابة المصرفيين بعد أن وقف بعمره الستيني وقلبه المريض مسجلاً كعادته موقفه، تأبى إلا أن تذكِّرنا بأن البطولة في عصرنا حاضرة، والأبطال موجودون، علينا فقط أن نتلفت يمنة ويسرة لكي نجدهم، ونطمئن أنفسنا بأن الدنيا لا تزال بخير.
لعلنا بسبب هذه الرمزيات نكتشف أن البطولة موجودة حولنا، غير أن ملامحها تغيرت وتبدلت، فأبطال هذا الزمان لا يضعون أوسمة للبطولة، ولا تسلط الأضواء عليهم، ولا يعرفهم الكثيرون، أبطال هذا الزمان لا يعرفون أصلاً أنهم أبطال، ولا يهمهم ذلك كثيراً، لأنهم يشعرون بأن ما يقومون به هو واجبهم الطبيعي الذي خلقوا من أجله، وعليهم أن يقوموا بهذا الواجب على أكمل وجه.
هؤلاء هم أبطالنا اليوم:
العامل البحريني المجد الذي يساهم في الإنتاج وفي بناء هذا الوطن في كل موقع، على الرغم من تدني الأجور في أغلب القطاعات والفصل والتسريح من العمل بحجة الأزمة الاقتصادية.
الشاب البحريني الذي يحتفظ بحماسه وأمله ويستمر في المحاولة على الرغم من قلة توافر فرص العمل وفرص الترقي في مقابل تمكين وتمكن العمالة الأجنبية في قطاعات بعينها.
المرأة البحرينية التي تمارس يومياً أدوار الزوجة والأم والعاملة دون أن تحتسب الدولة أو المجتمع قيمة جهدها المضاعف وأدوارها المتعددة وكأن ما تقوم به أمر طبيعي.
العامل البحريني المجد الذي يتحمل بصمت تهكم الحملات الدعائية التي تتهمه بعدم الالتزام بأخلاقيات العمل وتضييع الوقت.
الموظف البحريني الذي يعاني نتائج خصخصة بعض مؤسسات القطاع العام التي تتم بشكل مستعجل دون دراسة نتائجها وكلفها الاقتصادية والاجتماعية.
البحريني الذي يرفض التعيين بـ «الواسطة» التي صارت أمراً مفروغاً منه في كثير من المؤسسات الحكومية، حتى أصبح من الطبيعي جداً أن يتوسط المدير لتعيين قريبه وابن أخته وزوج عمة خاله كحاشية له في إدارته وكأنها ميراث عائلي.
العامل البحريني الذي يرفض الفساد والعطايا من تحت الطاولة، ويلتزم رغم ظروف عمله الصعبة بشرف مهنته لا يحيد عنه.
هؤلاء جميعاً أبطالنا لهذا اليوم، وعلى مدار العام.
أبطال لم يسعوا إلى نيل الأوسمة وتقدير المجتمع، لم يجروا وراء ظهور إعلامي أو أضواء الشهرة، لم يتوقفوا عن لهاثهم اليومي من أجل حياة كريمة مستقرة، وعمل منتج خلاق، وكلمة حق وموقف صدق لا يحيدون عنه.
هؤلاء جميعاً هم أبطال زمننا هذا الذي زيفت البطولة فيه نفسها، لكنها لم تزيفهم. فتحية تقدير لهم جميعاً في يوم العمال العالمي.
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 2795 - السبت 01 مايو 2010م الموافق 16 جمادى الأولى 1431هـ
ربيع افندي
سلام للكاتبة
ارفع لك القبعة مقال جميل وراقي، عساك عالقوة
شموع تحترق
سلمت يداك ..هؤلاء العمال هم الشمعة التي تحترق بينما يسرق الآخرون عرقهم وجهدهم ,دائما ما ينكسر قلبي عندما ارى عمالا سواء اجانب او مواطنين يعملون بجهد في الشوارع والمنشاءات تحت ضروف قاسية ويتسلمون رواتب زهيدة مقارنة بالجهد المبذول