أصبح يوم الثالث والعشرين من الشهر الجاري «اسفين سَوْء» على الخريطة الأمنية العراقية. في ذلك اليوم انفجرت سيارتين مُفخّختين في مدينة الصّدر خلال صلاة الجمعة، فقُتِلَ على إثرها 39 عراقياً وجُرِحَ 56 جميعهم من أنصار التيار الصّدري. ثم انفجرت ثلاث سيارات أخرى بالتوالي في أحياء الزعفرانية والحرّية وسوق في شارع حيفا، استهدفت مساجد وحسينيات تابعة للتيار فقُتِل عشرون عراقياً وأصيب واحد وستّون آخرين.

أعقب تلك الأحداث الدّامية بيان لمقتدى الصّدر يدعو فيه جيش المهدي إلى «التعاون مع الأجهزة الأمنية لحماية المساجد والحسينيات خلال صلاة الجمعة؛ لأن التيار حاول جاهداً إزالة التوتر، لكن الجهات صاحبة القرار أصرّت على تعيين شخصيات أمنية مسيئة ومؤذية في مناطق الرصافة ومدينة الصدر». وهو بيان يعكس هواجس «مشروعة» من أجهزة أمنية تشوبها الكثير من المشاكل البنيوية، لكنها تبقى أيضاً دعوة تنطوي على كثير من المحاذير.

المُشكِلة تبدو مُركّبة. فبداية التوريط، أن يُحصَر القتل بعراقيين شيعة، وبالتحديد من التّيار الصدري لجَرّ أحمال مذهبية وأخرى حزبية إلى نقطة معيّنة وتأسيس ردّ فعل من نوع خاص. هذا سيناريو يُراد له أن يتكرّر مرة أخرى، بالضبط مثلما جرى بُعَيْد تفجيرات سامراء، في فبراير/ شباط من العام 2006. وهو الأمر الذي كلّف العراق مئات الآلاف من القتلى والجرحى، معيداً إلى الأذهان حروب البروتستانت والكاثوليك في القرنين الخامس عشر والسادس عشر في أوروبا.

وبالمناسبة، فإن تنظيم القاعدة، الذي فجّر تلك السيارات مستهدفاً تجمّعات شيعية، استهدف أيضاً في الثالث من أبريل/ نيسان الجاري منطقة الصّوفيّة بهور رجب (جنوب شرق بغداد) وهي مناطق سنّيّة فقتل خمسة وعشرون فرداً من أبناء الصحوات، وهي القوات التي قاتلت وتُقاتل تنظيم القاعدة في الأنبار ونينوى وصلاح الدين. والمشكلة أن قاطني هذه المناطق يقولون ذات الأمر الذي يُردّده الصدريون من أن قوات الأمن غير قادرة على حماية مناطقهم من هجمات القاعدة.

ما يهمّ من كلّ ذلك هو الحذر. الحذر من آلية إدماج الميلشيات داخل قوات الأمن العراقية. فهذه القوات يجب ألا ينتسب أفرادها إلى مجاميعها وهم يحتسون شراب مذاهبهم وأحزابهم أيّاً كانت ميول تيّاراتهم. فرغم أن وزير الداخلية جواد البولاني قد صرّح بأنه عَزَلَ أزيد من ستين ألف منتسب ميليشياوي من هذه القوات، إلاّ أنها مازالت عرجاء. وبالتالي فمن غير الصائب ضخّ مخزون بشري فيها بغير ضمانات حقيقية فيما يتعلّق بالتزامها بأخلاقيات العمل الأمني.

إن دّعوة التيار الصّدري والدّاعية إلى إطلاق يد جيش المهدي في بغداد بحجّة حراسة المساجد والحسينيات، ومن ثم إدماج عناصره داخل قوات الشرطة هي دعوة خطيرة، ستزيد من هواجس العراقيين العاديين من أدوار قد تقوم بها قوّات الأمن في المستقبل. ربما تكون تلك الهواجس نابعة من ذاكرة بائسة تستحضر عملية النسر الأسوَد في أبريل، واشتباكات كربلاء بعد أربعة أشهر من نفس العام الذي انقضى والتي تورّط فيها جيش المهدي.

الموضوع ليس حصراً بجيش المهدي، وإنما بكافّة الميليشيات الأخرى، التي تتذرّع بجدوائيّة أداء منتسبيها في حفظ أمن مناطقهم سواء أكانوا سنّة في شمال بغداد، أو شيعة في جنوبها أو أكراداً في سهل نينوى. فالعُرف الأمني لا يقبل التعدديات الآمِرَة في الوحدات والفرَق الأمنية لأنها ببساطة تخلق ازدواجية لا يُمكن ضبطها مهما كان الجهد المُخصّص لذلك. فالعمل الأمني يتطلّب الانضباط والتنفيذ المُتقن، الذي لا يلتفت خلالها المجنّد إلى أيّ أمر آخر، قد يتناقض والعمل المنوط بالمنتسب إلاّ مراعاته للأخلاقيات الوازنة للعمل.