ربما يتذكر عشاق الروايات العلمية الخيالية كيف تواصل البشر مع الغرباء من كواكب أخرى مع بعضهم بعضاً باستخدام لحن موسيقي مكون من إيقاع خماسي في فيلم «مواجهات قريبة من النوع الثالث» الذي صدر العام 1977. كذلك كان هذا الفيلم من أوائل الأفلام التي وصفت الغرباء من الفضاء الخارجي بأنهم جيران ودّيُّون، رغم كونهم مختلفين، وليس غزاة عدائيين.
برزت فكرة أن الموسيقى تخلق جسوراً بين الثقافات في الحياة الواقعية السنة الماضية عندما حصلت على شرف إنتاج برامج إذاعية تضم أداء فرقتين رباعيتين لموسيقى الجاز من الولايات المتحدة: فرقة «آري رولاند الرباعية» وفرقة «تناغم الثقافات».
عقدت فرقة آري رولاند الرباعية ومركزها الأصلي نيويورك، بالإضافة إلى عزف الجاز الأميركي لجمهور إذاعي باكستاني، دروساً وورشات عمل حقيقية مباشرة لشباب باكستانيين من المتحمسين للموسيقى وشجعت الحوار بشأن نقاط التماثل بين الجاز وموسيقى جنوب آسيا، باستخدام الموسيقى للتواصل عبر سوء الفهم الباكستاني الأميركي والصور النمطية.
قامت الفرقة الرباعية بالعزف في احتفالات يوم الاستقلال الأميركي في البعثات الدبلوماسية الأميركية في كراتشي ولاهور وإسلام أباد طوال فترة أسبوعين.
لسوء الحظ أن البرامج الحية اقتصرت على السفراء والضيوف، نظراً للوضع الأمني، إلا أن سحر فرقة آري رولاند الرباعية وصل إلى جمهور أوسع عبر محطة City FM89 الإذاعية لجمهور كراتشي عندما قدمت الفرقة عزفاً حياً على الهواء أثناء برنامج الجاز في الإذاعة وعنوانه «خذ استراحة خمس دقائق مع زاهر». قامت الفرقة بعزف أغنية باكستانية كلاسيكية شعبية وأضافت لها عزف التشيلو والساكسفون.
وقد حصل عزف الفرقة في هذا التوزيع على قدر جيد من الوقت الإذاعي على محطات المدينة الإذاعية.
أحضرت الفرقة الرباعية فناً موسيقياً أميركياً شائعاً إلى الباكستان وتركت الباكستانيين يعتبرونه فناً لهم. وكما ذكر آي رولاند نفسه: «يتعلق تاريخ الجاز بأخذ أغانٍ يعرفها الجميع وتحويلها إلى أداء في موسيقى الجاز».
نفس الألحان، بآلات مختلفة. نفس الأفكار بلغات مختلفة.
بعد شهور قليلة وفي يوم استقلال الباكستان (14 أغسطس/ آب) أحضرت مؤسسة المواطن، وهي هيئة خيرية محلية في كراتشي تركز على توفير التعليم لشباب الباكستان، فرقة جاز رباعية من منظمة «تناغم الثقافات» الأميركية غير الحكومية. يقود منظمة «تناغم الثقافات» ويليام هارفي، خريج كلية جوليارد، الذي عزف مع زملائه الموسيقيين إيثان فيلبريك وكريس جنكنز وإميلي هولدن. عزف الرباعي في مدارس تديرها «مؤسسة المواطن» في بعض مناطق الباكستان الأكثر فقراً، وتعاونت مع موسيقيين هم الأشهر والأكثر شعبية في الباكستان.
سافرت الفرقة الرباعية بشكل واسع في الباكستان وحصلت على الكثير من التغطية الإعلامية وتجاوب كبير مع موسيقاها. والواقع أن السلام الوطني الباكستاني الذي عزفته الفرقة بآلات وترية متوفر الآن كرنّة هاتف نقّال في الباكستان. وعندما قامت الفرقة بعزف النشيد الوطني في الإذاعة، اغرورقت عيناي بالدموع، وعصف بمشاعري حب الوطن، شارك فيه أربعة من الأميركيين.
تظهر هذه النشاطات الموسيقية أن تلاقي الثقافات لا يعني أن يسيطر طرف على الآخر. كما يثبت عزف موسيقيين أميركيين يعزفون إلى جانب موسيقيين باكستانيين واقع أن الأميركيين يريدون التعلّم من الباكستانيين وحضارتهم.
يشعر الباكستانيون أن الأميركيين سافروا إلى الخارج في السنوات الأخيرة فقط ليخبروا الناس ما يتوجب عليهم أن يفعلونه. ولكن هذا النوع من التبادلات الثقافية هو الذي يساعد على رعاية مفهوم أن الغالبية الواسعة من الأميركيين يحترمون الآخرين وأنهم على استعداد للتعلم من نظرائهم في الباكستان وما وراءها.
لن توقف الموسيقى النزاع في مناطقنا الشمالية أو في أفغانستان المجاورة، ولكنها تأتي معها بالأمل بأنه عندما يفكر الباكستانيون بأميركا فسوف يتذكرون كذلك الفرقة الرباعية الأمريكية التي عزفت الموسيقى الباكستانية لهم. وعندما يسمع الأميركيون عن الباكستان في الأخبار نأمل أن يتذكروا قصص رولاند وهارفي عن الشعب الذكي والمضياف في دولة جميلة.
العدد 2792 - الأربعاء 28 أبريل 2010م الموافق 13 جمادى الأولى 1431هـ