العدد 2792 - الأربعاء 28 أبريل 2010م الموافق 13 جمادى الأولى 1431هـ

اكتشاف بيت المتنبي شاعر الأنا وفارس القلم

مرت مئات السنين على وفاة المتنبي، غير أنه لايزال حياً في نفوس الناس عبر أبلغ الأشعار والحكم. في حلب السورية تم مؤخرا اكتشاف البيت الذي عاش فيه وكتب قصائده التي لم تجلب له الصداقات فقط؛ بل الحساد والعداوات أيضاً.

لو قمنا بسؤال عدد من شباب اليوم عن صاحب هذا البيت الشعري الذي تتناقله الألسن جيلاً بعد آخر «ما كل ما يتمنى المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفن»، فإن قلة منهم ستعرف الجواب الصحيح على رغم ترديدهم لأبياته التي تتضمن الكثير من الحكمة بحسب رأي معظم الأدباء والنقاد. إنه الشاعر الكوفي أبوالطيب المتنبي الذي سطع نجمه في تاريخ الأدب العربي من خلال أبيات شعرية تصلح لكل زمان ومكان لما فيها من بلاغة وإبداع ورقة ودقة. لكنه أيضا شاعر «الأنا» المبالغ في الفخر بنفسه، أوليس هو الشاعر الذي تغنى بنفسه أمام سيف الدولة الحمداني بقصيدته، التي قال فيها:

الخيل والليل والبيداء تعرفني

والسيف والرمح والقرطاس والقلم

أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي

وأسمعت كلماتي من به صمم.

على رغم مرور مئات السنين على وفاة المتنبي، إلا إنه ترك بصمات واضحة على الأدب العربي، وأبياته وحكمه لاتزال حاضرة. ويكتسب هذا الحضور اليوم أبعاداً ملموسة مع اكتشاف البيت، الذي عاش فيه قبل 1100 عام في مدينة حلب السورية أثناء حكم سيف الدولة الحمداني. وقد اكتُشف البيت على بعد أمتار قليلة من قلعة حلب، التي تعد إحدى أجمل القلاع في العالم. ويتألف المنزل المُشيد من الحجارة الشهباء، التي نسب اسمها لمدينة حلب ذات التاريخ الممتد لأكثر من 12 ألف سنة، من طابقين، وعدد من الغرف ذات الحجم المتوسط بأبواب خشبية ونوافذ تتربع فوقها قناطر بألوان جميلة وتصاميم السورية.

أما الفضل في اكتشاف مكان البيت فيعود إلى المؤرخ محمد قجة، الذي يتولى كذلك منصب المستشار الثقافي في محافظة حلب. فقد اهتدى إلى موقع البيت اعتماداً على وصف ورد في كتابي كمال الدين بن العديم «بغية الطلب في تاريخ حلب» و»زبدة الحلب من تاريخ حلب»، إضافة إلى مراجع أخرى لابن الشحنة وغيرهم. وفي هذا السياق يقول محمد قجة في حديث مع «دويتشه فيله»: «يشير ابن العديم إلى إن المتنبي نزل في حلب337 بعد لقائه سيف الدولة وكانت أقامته بجانب (دور بني كثرة) أو بيوت بني كثرة، عشيرة عربية قريبة لابن العديم سكنت حلب في تلك الفترة، الأمر الذي جعلني أحدد الموقع من خلال كتابات ابن العديم».

ويوضح ابن العديم في كتابه كيف أن دار المتنبي تحولت إلى «خانقاه» أي مضافة بعدما هدمت حلب على يد «نقفور فوكاس البيزنطي»، وعرف الموقع بعدها باسم «خانقاه سعد الدين كبشتكين» في الفترة الزنكية والأيوبية، إذ إن سعدالدين كان من كبار مساعدي نورالدين الزنكي. وقد «تعاقبت أسماء ووظائف مختلفة على المكان، الذي يسمى الآن بالمدرسة البهائية، أبرزها المحكمة الشرعية، وقبلها المدرسة الصلاحية، وقبلها خانقاه - أي مضافة - سعد الدين كبشتكين»، كما يقول قجة. ويضيف المؤرخ السوري قائلاً: «وقبله أحد بيوت آل العديم التي سكنها المتنبي في فترة سيف الدولة الحمداني». وبعيداً عن أجواء حياة المتنبي ازدحم البيت بالزوار عندما أصبح في فترة ما مركزاً للقاء الأسري، إذ كان المطلقون يزورون أبناءهم الذين يقطنون برفقة أمهاتهم في هذا المنزل. لكن مع تحويل البيت إلى مركز سياحي بات الآن بات قبلة للشعراء والسياح والشباب الذين يرددوا أبيات المتنبي دون معرفة الكثير عن حياته الخاصة وحبه لخولة أخت سيف الدولة.

العدد 2792 - الأربعاء 28 أبريل 2010م الموافق 13 جمادى الأولى 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً