العدد 2791 - الثلثاء 27 أبريل 2010م الموافق 12 جمادى الأولى 1431هـ

كيسنجر التركي

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لم يمض عامٌ واحدٌ على تولّي وزير الخارجية أحمد داود أوغلو منصبه حتى استطاع أن يعزّز الدور التركي وينتزع الاحترام لسياسته الجديدة، وتصبح واسطته مطلوبةً في مناطق الصراعات والتوترات.

إن بلداً له امتداده الأوروبي، وعمقه الشرقي، وموقعه الاستراتيجي عند ملتقى ثلاث قارات، كلّ ذلك لا يكفي ليحتل مكانه اللائق في ميدان السياسة الدولية، إلا إذا كانت وراءه ثقة وإرادة واحترام للذات والاستقلال. فهناك دولٌ أخرى لا تقل أهمية ولا تاريخاً ولا عمقاً حضارياً في المنطقة، لكن بسبب ضياع بوصلتها السياسية، أصبحت أنظمتها الحاكمة عبئاً ثقيلاً على بلدها وشعبها وأمتها.

بداية التمايز كانت في حرب غزة، حين انحاز بعض العرب ضد الشعب العربي الفلسطيني، وساهموا في تشديد الحصار على القطاع، بينما انحازت السياسة التركية إلى جانب الفلسطينيين، وعلى مرأى من العالم كلّه وقف رئيس الوزراء طيب أردوغان يقرّع الرئيس الاسرائيلي شيمون بيريز بعد عملية «الرصاص المصبوب»، وينسحب من مؤتمر دافوس وسط ذهول الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى الجالس على مسافة مترين من بيريز.

البعض يقول إن الأتراك إنما يحاولون العودة إلى منطقة نفوذ سابقة، وليس لسواد عيون العرب. فليكن! ولكن لماذا يتخلى العرب عن قضاياهم المصيرية؟ لماذا يتركون للولايات المتحدة رسم حدودهم ومستقبل شعوبهم والتحكم في ثرواتهم؟ ولماذا يستبدلون عدوهم التاريخي (إسرائيل) الذي يحتل أرضهم ويشرّد أحد شعوبهم، بجارٍ عاش معهم قروناً وسيبقى يجاورهم قروناً أخرى بعد زوال دويلة «إسرائيل»؟

إن من الدروس المهمة أن تركيا كانت فى صراع مع معظم الدول المجاورة، بحكم سيطرتها السابقة على مناطق شاسعة من الشرق الأوسط والبلقان والقوقاز، أما اليوم فرفعت شعار «لا مشاكل مع الجيران». وهكذا عزّزت تعاونها مع جارتها اللدود اليونان، وبدأت مصالحة تاريخية مع أرمينيا. وأخذت تدعو أفغانستان للحوار مع طالبان، وإعادة فتح الحوار بين الصرب والبوسنيين في البلقان، وجمعت السوريين والاسرائيليين للمفاوضات.

وإذا كان من الممكن تجاوز الخلافات بسرعة مع دولٍ احتكت بها تركيا العثمانية لعدة قرون، وخلفت ندوباً وحساسيات، إلا أن العلاقة مع إيران قائمة على التنافس والعداء، في مختلف العهود. ومن يقرأ «الشاهنامة» للفردوسي مثلاً، سيكتشف عمق العداء المستحكم بين البلدين قبل الإسلام، ما تمثّل في تلك السلسلة من الحروب التي لا تنتهي. وبعد الاسلام بقيت الدولتان تقليدياً، تلعبان أدواراً مهمة في المنطقة، تتصارعان وتتجاذبان القوة والنفوذ.

إن خلافاً شديداً بمثل هذا العمق التاريخي، لم يمنع تركيا من التفكير بدور الوسيط في حل مشكلة الملف النووي الإيراني، لوضوح الرؤية السياسية: فتجنب الحرب مصلحة تركية أولاً، ومصلحة إقليمية ثانياً، ومصلحة إسلامية وعالمية ثالثاً ورابعاً. ولم يمنع الخلاف التاريخي وزير خارجيتها أوغلو من زيارة طهران الأسبوع الماضي، ومصافحة نظيره منوشهر متقي، والتصريح بأنه انتزع منها موقفاً جديداً.

التقارير السياسية الرصينة تقول إن تركيا وقّعت حتى الآن اتفاقات تجارة حرّة مع أكثر من ستين بلداً، وتقوم الآن بأكبر عملية غزو دبلوماسية للقارة الإفريقية، في مسعى لتعزيز نفوذها كما يفعل الإيرانيون. وحتى بروز الدور التركي يعزوه البعض إلى الدول العربية التي ضمرت عضلات بعضها، وضمرت كرامة بعضها الآخر، وغاب البعض الثالث عن الوجود.

هل كان مبالغة القول إن تركيا استعادت حضورها بين الخليج والمحيط أيام العثمانيين؟ وهل أخطأ السفير الأميركي في أنقرة حين وصف أوغلو بـ «كيسنجر التركي»؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2791 - الثلثاء 27 أبريل 2010م الموافق 12 جمادى الأولى 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 8:44 ص

      إلى زائر 6

      اللغة اللي تتمسخر عليها هي اللهجة البحرانية وهي اللغة الأصيلة للمواطنين الأصليين في هذا البلد ، والعجم لا يستخدمون مفردات مثل ( قلي بربك ) ، لكنك طبعا لا تعرف هذه اللهجة لأنك مجنس !

    • زائر 8 | 2:16 ص

      التطبيع

      وزراء خارجية العرب فالحين في الجري وراء التطبيع.

    • زائر 7 | 1:25 ص

      زائر 4... انت بعد باين عليك ما تتعلم بسرعه!؟

      لغتك العربيه جدا ضعيفة... ومكسرة... واملائك تعبان......... كأنك عجمي ههههههههههه

    • زائر 6 | 1:04 ص

      تركيا تلعب على المتنقضات

      الزائر رقم 3
      صدقت بس العرب مو عارفين من عدوعم و من صديقهم و هذه امصيبتنا الكبرى إن العرب ما يتعلمون و إذا تعلمو ينسون بسرعه

    • زائر 5 | 12:57 ص

      تركيا تلعب على المتنقضات

      تركيا تلعب على المتناقضات و إلا قلي بربك ما معنا الهجوم على بيريز إسرائيل و التشنيع به و يوم ثاني وزير خارجيته يذهب إسرائيل . تركيا تحركها المصالح و ليس المواقف المبدئيه كما تفعل الجمهوريه الاسلاميه

    • زائر 4 | 12:38 ص

      العلم نور

      لا يستو ى الذين يعلمون و الذين لا يعلمون.. و هذا الفرق بين حكومات العربيه( الأكثريه ) و حكومات الدول الأخرى.من لا علم له لا ثقل و لا وزن له .

    • زائر 2 | 12:31 ص

      ماذا عن العرب

      ياليت عندنا كيسنجير عربي...... ياليت عندنا وزير خارجية عربي تفرض سياسته الاحترام على العالم؟ بس خلها على الله.

    • زائر 1 | 12:28 ص

      وزير كسر الأطراف

      قارن سيد بين هالوزير المحترم وبين وزير ارجية دولة عربية كان يهدد الفلسطينيين بكسر أرجلهم. ألا يذكرك ذلك بالوزير الاسرائيلي الذي انتهج سياسة كسر الأأطراف للفلسطينيين

اقرأ ايضاً