من أبرز علامات كون الأزمة عالمية، وليست يونانية فحسب، هي تلك الخلافات التي دبت بين أعضاء مجموعة العشرين بشأن الحلول التي يمكن أن تنتشل الجميع، بما فيهم اليونان مما هم فيه. تكفي هنا الإشارة إلى الجدل الذي أثاره الاقتراح الأميركي بضرورة «سن لوائح لتنظيم القطاع المالي العالمي، بما في ذلك فرض رقابة أوسع وضرائب جديدة على البنوك». كان أول الرافضين لذلك المقترح كندا التي لم تر «أية حاجة لتغيير النظم المالية لديها ناهيك عن معارضتها لفكرة الضرائب». وبرر وزير المالية الكندي جيم فلاهرتي موقف بلاده من هذه المسألة بأنها «ليست مستعدة لتحمل عبء إنقاذ مؤسسات مالية في دول أخرى»، قاصداً اليونان والولايات المتحدة على حد سواء. ولب الخلاف هنا هو « تحول المشاريع لضبط أنشطة المضاربات في الاتحاد الأوروبي، دون وصول الأموال الأميركية إلى أسواق أوروبا».
القضية الأخرى التي تعبر عن عالمية الأزمة هو الاختلاف على أسلوب إعادة التوازن إلى الاختلال في معدلات النمو بين البلدان المختلفة، مأخوذاً بعين الاعتبار كمية السيولة التي بحوزة كل بلد منها. هذا يتطلب، من وجهة النظر الأميركية، أن تمتص سيولة دول مثل الصين ذات الفوائض العالية، شحتها في دول أخرى من خلال زيادة الاستهلاك في الأسواق الداخلية أولاً، والأخذ بسياسة أكثر مرنة فيما يتعلق بأسعار صرف عملتها المحلية ثانياً. على أن يترافق ذلك بالاقتصاد في الإنفاق، وخاصة في المال العام، عند الدول المثقلة بالديون مثل الولايات المتحدة، وقبلها اليونان، وهي الدولة التي فجرت الأزمة الأخيرة. تتطور هذه المسألة من مجالها الاقتصادي المحض كي تلامس أفقها السياسي المتمثل في طبيعة الثقل السياسي الذي تطالب به دول الاقتصادات الناشئة مقابل ذلك الذي تتمتع به اليوم دول تنهكها الأزمات الاقتصادية مثل الولايات المتحدة أو بريطانيا، بل وحتى اليونان.
وما يدفع الأزمة اليونانية نحو العالمية هو كما أشرنا سابقاً، الاختلاف في آليات تطبيق السياسات المتفق عليها. نأخذ على سبيل المثال الموقف من دور صندوق النقد الدولي، فعلى الرغم من الإجماع على ضرورة «اللجوء إلى موارد الصندوق لحل مشكلة اليونان»، نرى التباين الواضح بين المواقف المختلفة بين الدول الأوروبية. هناك موقف وزير المالية الهولندي يان كيس دياغر الذي يعتقد أن موارد «صندوق النقد الدولي وحدها لن تكون كافية»، ويطالب بالاستعانة بأموال ومعونات من دول اليورو. مقابل هذا الموقف، نجد ألمانيا التي تصر، وعلى لسان المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، على أن يتحمل الصندوق دون سواه انتشال اليونان من تلك الأزمة. ولا ينبع الموقف الألماني من قرار فوقي حكومي، بل يستجيب لرأي عام شعبي، عبرت عنه في ذلك الاتجاه المسيرات التي جابت شوارع العديد من المدن الألمانية، منادية بعدم تحميل ألمانيا وزر «سوء السياسات المالية اليونانية».
الأمر الذي يعطي الأزمة اليونانية المزيد من البعد الدولي، تلك الشكوك التي بدأت تفصح عنها بعض الدول الأوروبية بشأن الصفقة بين اليونان وبنك ساكس غولدمان الأميركي في العام 2001 الذي أسهم «في إخفاء بعض الديون الحكومية اليونانية عن أعين المفوضية الأوروبية»، التي اعتبرتها المفوضية الأوروبية، كما جاء على لسان المتحدث الرسمي باسمها أماديو ألتافاغ - تارديو، « نوعاً من السلوك المالي غير المقبول الذي يتنافى وشروط الشفافية المطلوبة في العلاقات المالية الأوروبية». هذا يعني، فيما يعنيه، أن الكتلة الأوروبية، دون الدخول في تفاصيل كل دولة على حدة، لديها موقف من سلامة السياسات المالية اليونانية.
مقابل ذلك، وكرد فعل يوناني على الموقف الأوروبي المتشكك والمتردد، نجد تلك التلميحات اليونانية الممتعضة من الموقف الأوروبي المتلكئ، التي جاءت على لسان وزير الخزانة اليوناني جورج بابا قسطنطينو في تصريحات خص بها وكالة الأنباء السعودية قبل انطلاق اجتماع لوزراء المال الأوروبيين، التي أشارت إلى «الضغوط التي تتعرض لها بلاده حالياً من قبل المسئولين الأوروبيين، منوهاً إلى أن أية إجراءات جديدة إضافية لن تمنع أسواق المال من الاستمرار في مضارباتها ضد اليونان».
وفوق كل تلك التلميحات والمواقف، هناك الشعور الأوروبي المتنامي بأن الوضع المتدهور في اليونان «يدق نواقيس الخطر حيال استقرار منطقة اليورو»، الأمر الذي أرغم مسئولي الاتحاد الأوروبي على الإفصاح عن مخاوفهم من انتشار «الفيروس اليوناني»، إلى دول أوروبية قريبة من اليونان، بدأت تظهر عليها «أعراض الأزمة الاقتصادية اليونانية»، وهكذا وجدناهم «يعربون عن خوفهم وقلقهم من أن تمتد هذه الأزمة إلى العديد من الدول في المنطقة القريبة من اليونان، التي تواجه بعض المشكلات الاقتصادية مثل إسبانيا وإيطاليا والبرتغال».
هذه الصورة، تكشف إلى حد بعيد، إن العالم ما يزال، رغم تطمينات الكثير من المؤسسات العالمية مثل صندوق النقد الدولي، ومعه البنك الدولي، يعيش تحت وطأة أزمة اقتصادية بنيوية خانقة ومتنامية، لن تحلها بعض المهدئات المؤقتة التي قد تنجح في معالجة الأعراض بشكل عام، أو الأسباب بشكل محدود، لكنها، وبدون أدنى شك غير قادرة على معالجة الأزمة بشكل جذري وشامل. وهذا الأمر لا يقتصر على اليونان فحسب، أو أوروبا فقط. ففي ظل العولمة، وفي عصر انفجار ثورة تقنيات المعلومات والاتصالات، يتحول العالم إلى قرية صغيرة واحدة، ما ينتشر في أحد أزقتها، يصل وفي سرعة خارقة إلى دهاليزها الأخرى. ولا يفصل اليونان عن البلاد العربية سوى بحيرة ضيقة هي البحر الأبيض المتوسط التي تعتبر بالمعيار الجغرافي المعاصر أصغر من قرية مائية!
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2791 - الثلثاء 27 أبريل 2010م الموافق 12 جمادى الأولى 1431هـ
Gap between training and applying certain skills and Cost / benefit analysis
thank you Mr. Obaidly ..and would like to add comment that one lady whom she has benefited from training course which cost 20thousands B.d has acted negatively towards the most qualified people and she is still not being questioned in Justice , Human Resources are the Assets of any organisation and it is time to clear divissions from such people who are not related to Leadership vission ..with compliment of (Nada Ahmed)
Gap between training and applying certain skills
thank you Mr. Obaidly , as everyone knows that Human Resources are the real wealth of any organisation and by Qualified People Organisation will move towards vission and values , however , one of the lady who had benefitted from more than 20 thousands Dinars of short course of 2 weeks has acted negatively towards some of the Org, representatives and still she is away from Justice ..with regards (Nada Ahmed)