العدد 2791 - الثلثاء 27 أبريل 2010م الموافق 12 جمادى الأولى 1431هـ

تايلند بين البوذية والإسلام (1)

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

لكل دولة نظامها الفريد الذي يرتبط بوضعها الجغرافي وتطورها السياسي وتاريخها وثقافتها وأوضاعها الاقتصادية. وتايلند ليست استثناء من تلك القاعدة فهي مملكة دستورية عريقة ولم تتعرض للاحتلال والاستعمار الأوروبي طوال تاريخها. ومع هذا تعرضت لثلاثة أنواع من المؤثرات:

الأول: مؤثرات الجوار الجغرافي، فهي تجاور دولاً متوسطة القوة، وبعدها تقع دول قوية مثل الصين في الشمال الشرقي، واندونيسيا في الجنوب، ومن الغرب شبه القارة الهندية، ولهذا يمثل أصحاب العقيدة البوذية الأغلبية الكاسحة بما يقارب 92 في المئة، في حين يمثل المسلمون نحو 6.5 في المئة، وباقي الأديان 0.8 في المئة والمسيحية 0.7 في المئة ويبلغ تعداد السكان نحو 66 مليون نسمة يمثل التاي 75 في المئة والصينيون 14 في المئة، والمجموعات العرقية الأخرى 11 في المئة. ونسبة التعليم أكثر من 92 في المئة، والإنفاق على التعليم 4.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وتنقسم الدولة إلى 76 مديرية، ويتكون البرلمان من مجلسين مجلس الشيوخ وعدد أعضائه 150 عضواً منهم 76 بالانتخاب، واحد لكل دائرة، و74 بالتعيين، وعضو مجلس الشيوخ لا يجب أن ينتمي لأي من الأحزاب، وإلا فقد عضويته، ومدة العضوية 6 سنوات. أما مجلس النواب فمدة العضوية 4 سنوات ويتكون من 480 مقعداً منهم 400 بالانتخاب و80 بالتعيين من الأقاليم وفقاً للتوزيع النسبي.

الثاني: الارتباط بالمؤثر الياباني قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية ثم بالإستراتيجية الغربية وخاصة الأميركية بعد الحرب العالمية الثانية وحتى الآن. وترتب على ذلك انتماء تايلند للنظم الديمقراطية الغربية، وللاقتصاد الحر، وللسياسة الدولية الغربية بما في ذلك سياسة الأحلاف العسكرية.

الثالث: الارتباط بالمؤثر الإقليمي مع دول الآسيان (رابطة جنوب شرق آسيا) وتطورها نحو التعاون الاقتصادي مع بعضها البعض، ومع القوى الآسيوية الرئيسة الصين واليابان والهند وهي تستضيف عدة لجان دولية منها اللجنة الاقتصادية لجنوب شرق آسيا، وبنك التنمية الآسيوي، وهي عضو مراقب في منظمة المؤتمر الإسلامي. كما أنها عضو في العديد من المنظمات الدولية والإقليمية والوكالات المتخصصة.

يعتبر المسلمون التايلنديون وهم مكون أصلي من مكونات الشعب التايلندي، جزءاً لا يتجزأ من تلك الدولة وشعبها، ورغم أنهم أقلية مقارنة بالتاي Thai ولكن عددهم نحو 5 ملايين نسمة، وهم ينتمون للعرق المالايي، إذ أنهم يقطنون المناطق الجنوبية لتايلند والتي تقع شمال ماليزيا.

وتايلند دولة غنية فالناتج المحلي الإجمالي بلغ 540 مليار دولار عام 2009، ومصادر الدخل الوطني تمثل فيه الصناعة 44 في المئة والخدمات 43.7 في المئة، والزراعة 12.3 في المئة، وفي إطار الخدمات تقع السياحة في المقام الأول والمصارف وخطوط الطيران، وفي إطار الصناعة يقع الإنتاج من الموارد الطبيعية حيث إنتاج النفط أكثر من مليوني برميل يومياً (2009)، وكذلك إنتاج الغاز الطبيعي 8.5 مليارات متر مكعب عام 2009. وهي دولة مصدرة ومستوردة للنفط والغاز الطبيعي وأيضاً للكهرباء.

أهم الدول المصدرة لتايلند (اليابان 18.7 في المئة، الصين 12.7 في المئة، ماليزيا 6.4 في المئة، الولايات المتحدة 6.3 في المئة، الإمارات العربية المتحدة 5 في المئة، سنغافورة 4.3 في المئة، كوريا الجنوبية 4.1 في المئة) وأهم الدول المستوردة من تايلند (الولايات المتحدة 10.9 في المئة، الصين 10.6 في المئة، اليابان 11.3 في المئة، هونغ كونغ 6.2 في المئة، استراليا 5.6 في المئة ماليزيا 5 في المئة). وإجمالي قيمة الصادرات عام 2009، بلغ 150.9 مليار دولار والواردات 131.5 مليار دولار. وأهم الصادرات: المنسوجات، والأحذية، ومنتجات الأسماك، والرز والمطاط والمجوهرات والسيارات وأجهزة الكمبيوتر والأجهزة الكهربائية. وأهم الواردات: السلع الرأسمالية، السلع الوسيطة، والمواد الخام، السلع الاستهلاكية، والوقود. وأهم المشاكل السياسية للبلاد: هي وجود حركة انفصالية في بعض المناطق الإسلامية الجنوبية ما أدى إلى حالة من الاضطراب على الحدود مع ماليزيا، فضلاً عن مشكلة تهريب المخدرات، إذ إن تايلند منطقة عبور لهذه التجارة من كمبوديا ولاوس، الدولتين المجاورتين لتايلند. وأخيراً مشكلة الصراع السياسي الراهن بين الأحزاب والقوى السياسية خلال السنوات الأربع الماضية.

وما يهمنا في هذا المقال هو التعرف على أوضاع المسلمين في تايلند ونشير في هذا الصدد إلى مجموعة من الملاحظات:

الأولى: تتعلق بطبيعة الوضع الديمغرافي والثقافي في البلاد حيث، كما سبق الإشارة يشكل التاي 75 في المئة ومن الناحية الدينية، يشكل البوذيون 92 في المئة، والمسلمون 6.5 في المئة، والمسيحيون والأديان الأخرى 1.5 في المئة. وهذا يعني أن المسلمين في تايلند ينتمون للأعراق التايلندية الأصلية وليسوا دخلاء أو مهاجرين لتلك البلاد، ومناطق تركزهم في الأقاليم الجنوبية للبلاد شمال ماليزيا، فضلاً عن تواجد المسلمين في المناطق الأخرى وخاصة العاصمة (بانكوك).

إذاً هم مكون رئيس من مكونات الشعب في تايلند.

الثانية: إن المسلمين في تايلند، كما هو شأنهم في عدد من الدول التي ليست دولاً إسلامية مثل الهند والصين والفلبين في آسيا، يعيشون في غالبيتهم في مناطق حدودية، وهذا يجعل المؤثرات الإقليمية على بعضهم وبخاصة ظهور بعض النزاعات الانفصالية، إما سعياً للارتباط مع سلالات في دول مجاورة أو سعياً لإقامة دولة مستقلة. وهنا يحدث التأزم بين الأقليات الإسلامية مهما كان عددها بالملايين وبين أغلبية السكان والنظام السياسي. ومن ثم فإن الأمر في حاجة لمعالجة مبتكرة وموضوعية وإسلامية حقيقية في آن واحد.

الثالثة: إنه في تقديري أن المبدأ الإسلامي الأصيل يعتمد على ركيزتين أولاهما البعد الوطني أي الانتماء للأرض والتراب الوطني، ولذلك رغم هجرة النبي (ص) إلى المدينة المنورة ومناصرة أهلها له، فقد كان لديه دائماً حنين خاص لمكة المكرمة، وقال قولته المشهورة مخاطباً مكة «إنك لأحب البلاد إلي ولو لا أن أهلك أخرجوني ما خرجت»، وعندما فتح مكة خشي الأنصار أن يعيش فيها ويتخذها عاصمة له، ولكنه شعر بمشاعرهم ولم يخيب آمالهم. وهنا تبرز الركيزة الثانية وهي الاندماج في الوطن الجديد والتخلي عن الماضي مهما كان الحنين إليه. فكل أرض الله ملك للبشر الذين خلقهم الله وكل البشر متساوون مهما اختلفت عقائدهم، ولابد أن يتعايشوا مع بعضهم بعضاً، ولعل صحيفة المدينة المشهورة والتي تعد أول دستور في دولة إسلامية جعلت المسئولية والحقوق والواجبات متساوية بين المسلمين واليهود والقبائل كافة في المدينة. هذا المبدأ الإسلامي الأصيل هو ما يجب أن يضعه المسلمون في بلاد الأقليات الإسلامية نصب أعينهم ويتخلون عن الفكرة الحالمة المسماة «أمة إسلامية» تتحول إلى دولة، أو الفكرة غير العملية برفض التعايش مع الأقليات الأخرى. وأنا أدرك أن أغلبية المسلمين في الدول الإسلامية لهم ولاء عميق لأوطانهم وأن دعاة الانفصال وكذلك دعاة التطرف والعنف أقليات، ولكنهم أقليات تسيء للإسلام والمسلمين ومن ثم يجب أن يتصدى لهم المسلمون في تلك الدول، ويعبرون بقوة عن مبادئ الإسلام الأصيلة في حب الوطن وفي التعايش مع طوائفه وعقائده كافة وفقاً للمفاهيم الإسلامية الصحيحة التي أشرنا إليها في سيرة النبي الكريم. كذلك ينبغي أن تتعايش الطوائف الإسلامية من سنة وشيعة وفصائلهم العديدة ومذاهبهم مع بعضهم بعضاً لأن عدم التعايش مع الأديان الأخرى، ومع الطوائف الأخرى، هو أفضل وصفة لاستمرار الصراع، ولتشويه صورة الإسلام، ولمعاناة المسلمين سواء كانوا في دول يمثلون فيها أقلية أو حتى في دول يمثلون فيها أغلبية.

الرابعة: إن فلسفة السياسة في القرن الحادي والعشرين تقوم على مبادئ احترام حقوق الإنسان والحريات الدينية وعلى التعايش والتسامح والاعتدال وعلى الانخراط في حياة المجتمع ورفض الانعزال ورفض التطرف والعنف وهذه في جوهرها نفس المبادئ والقيم التي دعا إليها الإسلام ويجب رد الاعتبار لتلك القيم وإعلانها، لأن فكر التطرف والانعزال والكراهية أصبح صوته عالياً وقدم أسوأ خدمة لصورة الإسلام وضد مصلحة المسلمين.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 2791 - الثلثاء 27 أبريل 2010م الموافق 12 جمادى الأولى 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً