العدد 755 - الأربعاء 29 سبتمبر 2004م الموافق 14 شعبان 1425هـ

الإرهاب والنفط (3)

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هل العالم العربي/ الإسلامي ضحية النفط أم أن العداء للعرب والمسلمين مسألة متأصلة في الغرب (الأوروبي والأميركي) استغلتها «إسرائيل» ووظفتها لمصلحة مشروعها الخاص في المنطقة؟

العداء للعرب والمسلمين ليس جديداً وتعود جذوره إلى قرون سبقت تأسيس «الوكالة اليهودية» بالتضامن مع الانتداب البريطاني للدولة العبرية في فلسطين. فالعداء قديم ومتشعب يعود إلى جملة أسباب لها صلة بالديني والاقتصادي والسياسي والاستراتيجي والصراع على جغرافيا الخطوط التجارية القديمة في آسيا وإفريقيا.

إلا أن هذا العداء ليس ثابتاً. فأحياناً كان يتقدم على غيره من صراعات وأحياناً أخرى كان يتراجع لمصلحة خلافات تنشب بين المسلمين أنفسهم أو بين الأوروبيين. فالصراع ليس دائماً بين أوروبا والإسلام، إذ شطرته في حالات كثيرة انقسامات داخلية جعلت الدول الأوروبية تتقاتل على النفوذ وتتحالف مع أطراف مسلمة ضد بعضها وأحياناً كان المسلمون يتقاتلون ويتحالفون مع دول أوروبية ضد بعضهم.

إلا أن هذا التنويع في الصراعات والتحالفات لم يعطل تلك الخلافات بين أوروبا والمسلمين على تجارة البحر المتوسط وامتدادات قوافل التجار على خطوط الحرير مع الصين والهند وأيضاً تلك الخطوط الممتدة في وسط إفريقيا من غربها إلى شرقها. فالتفريع في الصراعات والتحالفات كان من أسس المعادلات الدولية التي لم تستقر إلا بعد الاكتشافات الجغرافية ونهوض أوروبا في وقت دخل فيه العالم الإسلامي في فترة تراجع بسبب تعديل خطوط التجارة ونقلها من المتوسط إلى الأطلسي والدوران حول إفريقيا.

هذا الانقلاب في خطوط التجارة والمواصلات انعكس سلباً على اقتصادات الدول الإسلامية فانهارت تجمعاتها السكانية وهبط معدل مداخيلها فتراجعت المدن وجف الازدهار الذي كان يحيط بخطوط طريق الحرير وطرق قوافل الحجاج والتجارة من السنغال/ موريتانيا إلى السودان والصومال وجيبوتي. ونظراً إلى النمو المتفاوت بين العالمين اتسعت الهوة بين الطرفين ونجحت أوروبا في تثبيت الاستيلاء السياسي على أميركا (الشمالية والجنوبية) خارج دائرة الصراع التقليدي مع المسلمين. كذلك نجحت أوروبا في توسيع مشروعها (نموذجها الخاص) في المستعمرات التي فرضت سيطرتها عليها. وكان العالم العربي/ الإسلامي في طليعة ضحايا تلك التحولات الدولية التي عبّرت عن نفسها في نمو قوى عسكرية حديثة تتمتع بأفضلية قتالية في مواجهة مقاومات اتسمت بالتقليدية وبامتلاك أسلحة قديمة لم تعد لها فائدة في حروب استحدثت معدات أكثر فعالية.

استخدمت أوروبا قوة العسكرية الحديثة لحسم تلك التوازنات القديمة مستفيدة من نموها الاقتصادي خارج سياق خطوط التجارة القديمة. وبالقوة العسكرية اجتاحت جيوش أوروبا معظم العالم وليس العالم العربي - الإسلامي فقط. فأوروبا سحقت الهند وبلاد الملايو والفلبين وإندونيسيا والشعوب الهندية - الصينية واجتاحت الصين وخاضت ضدها حرب الأفيون وأذلتها. كذلك مدّت نفوذها السياسي (العسكري - الاقتصادي) إلى العالم العربي وبسطت لاحقاً نفوذها المباشر على كل إفريقيا ومعظم العالم العربي من المغرب إلى مصر إلى بلاد الشام وحاصرت تركيا واستولت على إيران وأفغانستان.

العداء إذاً ليس جديداً وهو لم يبدأ مع تأسيس الحركة الصهيونية أو الانتداب البريطاني - الفرنسي أو صدور وعد بلفور ومعاهدة سايكس - بيكو وتأسس دولة «إسرائيل» على أرض فلسطين عشية خروج بريطانيا في ضوء تداعيات الحرب العالمية الثانية.

العداء قديم والجانب الديني يشكل جانباً من جوانب الصراع المتفرع إلى وجوه متصلة بالجغرافيا والتجارة والمواصلات والثروات والمواقع وغيرها من نقاط تشكل مراكز قوة للقوى المتنافسة في أوروبا أولاً والولايات المتحدة ثانياً.

هذا التاريخ من العلاقات التي تتجاذبها المصالح وتوازن القوة لا يلغي أهمية النفط والثروات والمواقع الاستراتيجية ودور «إسرائيل» الخاص في الاستفادة من حاجات أميركا إلى المنطقة للتحريض ضد العرب والمسلمين.

المسألة ليست جديدة وإنما أعيد اكتشافها في ضوء الاكتشافات النفطية التي بدأت في مطلع القرن الماضي وفتحت شهية الدول الكبرى على المنطقة نظراً إلى ما تحتويه أرضها من ثروات لا غنى عنها في الاقتصاد الحديث.

مسألة النفط إذاً جددت العداء القديم للعرب والمسلمين وأعادت الاعتبار إلى خطوط التجارة القديمة التي تقلصت أهميتها منذ 500 سنة ثم انتعشت مجدداً بصفتها منطقة إمدادات ومنها تمر خطوط الأنابيب. فالقوافل تبخرت لتحل مكانها الأنابيب، بينما الجغرافيا بقيت في مكانها لا تتحرك، تنتظر الجيوش الأجنبية لتتموضع بالقرب من الحقول والآبار بذريعة حمايتها أمنياً من مخاطر سياسية تختلف بحسب الظروف والحاجات. فبعد انتهاء «الحرب الباردة» اكتشفت الولايات المتحدة «الإرهاب» كواسطة تبرر حاجتها إلى التوسع والتمدد للسيطرة على المنابع وتأمين خطوط الأنابيب.

مسألة النفط ليست بعيدة عن الإرهاب. فالأخير يعطي ذريعة للولايات المتحدة، والولايات المتحدة تحتاج إلى تلك الذريعة لتبرر اندفاعها الخارجي إلى الأمكنة التي تحتوي مادة الطاقة التي يحتاجها الاقتصاد الأميركي لمدة طويلة لا تقل عن العقود الأربعة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 755 - الأربعاء 29 سبتمبر 2004م الموافق 14 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً