العدد 755 - الأربعاء 29 سبتمبر 2004م الموافق 14 شعبان 1425هـ

قصر للفن المعاصر

باريس - هنري كازامايو 

تحديث: 12 مايو 2017

ليس قصر طوكيو متحفا بالمعنى الصحيح للكلمة، انما هو «موقع للابداع المعاصر المخصص للفنانين الحديثين». يدشن نوعا من حيز جديد في باريس، أكثر مرونة وتكيفا مع الرهانات الحالية للفن، يعود نجاح المشروع بشكل اساسي الى التزام مصممي ومديري المشروع، جيروم سان ونيكولا بوريو، وتعبر برمجتهما الغنية عن نشاط المشهد الفني الفرنسي والدولي.

شيد قصر طوكيو في باريس العام 1937 بين ساحة تروكاديرو وجسر علما. يعود اسمه الغريب بالنسبة الى باريسي عادي الى اسم الرصيف السابق الذي يفصله عن نهر السين، لكنه يشير اليوم الى جناحه الغربي بشكل خاص والمكرس للفن المعاصر، كلف المعماريان آن لاكاتون وجان فيليب فاسال بإعادة تنظيم داخل المبنى الذي ظل مهملا لفترة طويلة، واختارا العمل على المساحات المقوسة في قنطرة الاسمنت الكبيرة وعلى ضوء النهار عبر سقف زجاجي على شكل هلال، ازيلت الحواجز وجردت الجدران بحيث لم تتبق سوى الركائز، هذا لتسهيل تنقل الزوار مع ترك الحرية لكل فنان لشغل الموقع بحسب هواه.

أثار هذا التمييز العملي والقليل لتسهيل تنقل الزوار بعض النقد، فقد وضعت شباك ورشة بناء كفواصل وشاحنة صغيرة لتوزيع التذاكر! طبعا فرضت الموازنة المخصصة لهذه الاعمال حدا أدنى من الكلفة. وحدث جدال عنيف اثناء الافتتاح في يناير/ كانون الثاني 2002 اذ شبه المكان «بموقع نقال»، وسارع عدد من جمعيات الفنانين بوصف المبادرة «بتقليد صلف» لكن سمح هذا الجدال بتحديد ماهية مركز فني معين ضمن شبكة المؤسسات الثقافية الكبيرة، وبمقارنة نشاط قصر طوكيو بمتحف الفن الحديث لمدينة باريس الذي يتقاسم شقا من المبنى نفسه، فقصر طوكيو يذكر بـ «فاكتوري» أندي وارول.

يدعو جيروم سان ونيقولا بوريو، المشرفان على هذا المكان حتى العام 2005، فناني العالم الى انتاج اعمال فريدة فيه، وتم تأمين التمويل من المساعدات الحكومية والشراكات الخاصة. يتميز هذا المركز عن المتاحف التي تعرض تيارات أساسية في تاريخ الفنون بطموحه المتمثل بمساعدة المشروعات النامية، فهو مختبر للبحث، ويسمح عمر المسئولين، نحو الاربعين، برؤية افضل لاشكالات المشهد الفني المعاصر، فمنذ سنتين ومن خلال معارض اربعة، يقترحان قراءة نقدية ويشيران الى أشكال النشاط الأخيرة مثل «هاركور»، أو الى نهضة مفهوم الأرض «جي إن إس»، أو الى تضخم طرق العوم الثقافي «بلايليست» أو الى الصلات المجهولة بين الفنون التشكيلية والموسيقى «لايف» ويحوّل جيروم سان ونيقولا بوريو عبر هذه الممارسات موقع أمين المتحف إلى ناقد فني.

هكذا يصبح قصر طوكيو على غرار المشرفين عليه، مسطحة للتبادل وللاتصال على تناغم مع العصر، وكمفوضي معارض يدافعان بقناعة عما يسميه نيقولا بوريو «جمالية العلاقة» اي «فن يتخذ كرة التفاعلات البشرية وسياقها الاجتماعي كأفق نظري بدلاً من تأكيد حيز رمزي مستقل وخاص». فهناك في الواقع جيل من الفنانين الأحياء الذين يعملون على مبدأ التفاعل بين العمل الفني والجمهور ويعتبرون فترة العرض لحظة أليفة وليس تدقيقا بأعمال خالصة. وغالبا ما يعمل انفعال المشاهد على اكمال ما وضع من أجله، نذكر على سبيل الجودة مداخلات دانيال بوران وموريسيو كاتلان ودومينيك كونزايس فوستر، وريكريت تيرافانيجا، طبعا «قد تفشل تجربة ما» بحسب تعليق جيروم سان، لكن يمكن انجاح تجارب اخرى ولا تحصل كلها على الاجماع، انما تكمن فضيلتها في الحوار.

يكمن عامل الجذب في قصر طوكيو في الابتكارات العدة، فهو اول مركز فني معاصر في العالم يشرع ابوابه بين منتصف النهار ومنتصف الليل وخلال ستة أيام في الاسبوع، وبحضور «وسطاء» يتحلون بكفاءات تسمح لهم بالرد على مختلف أسئلة الزائرين بدلاً من الحراس التقليديين، مع معالم تحدد مسيرة الزائر، كما تثير سهرات التدشين أجواء احتفالية، وتنتظر علبة المقترحات أفكار الزوار على مدخل المبنى، هناك ايضا موقع انترنت منشط يقدم تعريفا بالفن المعاصر بطريقة لهوية، مع مقهى ومطعم راق ومكتبة متخصصة ودكان يبيع الاغراض الفنية، تجعل منه «حيز للعيش» بحسب امنية المديرين، انها مفاهيم جديدة أو مجددة تساهم بتجديد علم المتاحف. تشكل التجربة التي يقوم بها قصر طوكيو مدرسة على الصعيد العالمي.

بعد عامين ونصف العام من التجربة، هناك أكثر من 600 ألف زائر ونحو 236 فنان، مع تقرير لوزارة الثقافة يؤكد احترام قصر طوكيو لفكرته، كما أن هناك ايضا مشروع توسيع مهمته تشمل عروضا استعادية لفنانين معاصرين ومعروفين أو وضع مجموعة دائمة تأتيه من المتاحف الاقليمية للفنون المعاصرة. تهدف مجمل هذه الامتيازات الى ترسيخ الموقع مع خشية بأن تنقل هيكليته على حساب مرونته، يوجد نحو 11500 متر مربع تحت التصرف، وقد فرح بيير رستاني الناقد الفني الشهير الذي نظر إلى مفهوم «الواقعية الجديدة» بترؤسه ما أسماه «احدى المغامرات الفنية اليوم». نعم ينفح قصر طوكيو رياح الحرية في رئة الثقافة الفرنسية





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً