اعتبر الوزير السابق علي فخرو «الحياة السياسية الصحية» أولى الأولويات التي يجب أن تتقدم المشروع الإصلاحي في البحرين، مذكرا بـ «بديهيات سبع» يجب أن تتوافر في أية حركة إصلاحية وهي: الإصلاح يعني الإقرار بوجود خلل، الإصلاح ليس الثورة ولكن يجب أن يكون متقدما من دون تراجع، التوازن المعقول بين قوى المجتمع، ضرورة وجود المعارضة في الإصلاح الديمقراطي، ثلاث قضايا مفصلية يجب حلها (الدستور، تمثيل الناس، التوزيع العادل للثروة)، تجنب المنغصات (منها الوعود المبالغ فيها وتضخيم الإعلام للحوادث الصغيرة)، وتحديد أولى الأوليات.
جاء ذلك في حديثه بمجلس الشيخ عبدالأمير الجمري مساء أمس الأول الاثنين، إذ قال «إن البديهيات السبع كلها تعثرت في البحرين بأشكال مختلفة، وإن العملية الإصلاحية في البحرين يجب أن تأخذ بها كلها».
وكان فخرو قد مهد لحديثه بالقول: «منذ أن قام جلالة الملك بطرح مشروعه الإصلاحي أصبح المشروع ملكاً للمجتمع وملكاً للجميع، وهو محكوم ببديهيات لابد من الرجوع إليها، قد تستغربون كثيرا عندما نعود إلى البديهيات ولكنها إن لم يعاد تكرارها قد تصبح في طي النسيان».
وتمنى فخرو لو تحدث في جو غير متوتر، قائلا «عندما يتوتر الجو كما هو الحال الآن يمكن أن تفسر كل كلمة في اتجاه معين»، مضيفا «إن هذه التوترات لا يمكن زوالها إلا بتعديل مسار العملية الإصلاحية»، مشيرا إلى أن ذلك ممكن بالرجوع إلى البديهيات السبع.
ورأى أنه «ليست هناك خصوصية لأية حركة إصلاحية إلا في بعض تفاصيلها، فلكل حركة إصلاحية في العالم أسس ومبادئ عامة، إلا أننا في الوطن العربي نبالغ في قضية الخصوصية التي أصبحت تقيد الحركة الإصلاحية بكاملها». مؤكدا أن طرح الإصلاح لابد أن توافقه مجموعة من البديهيات التي يجب الأخذ بها، وهي:
الأولى: الإصلاح إقرار بالخلل
البديهية الأولى بحسب فخرو هي أن بادرة الإصلاح تعني الإقرار بوجود خلل ما في المجتمع لابد من إصلاحه، وقد يكون هذا الخلل سببه النظام نفسه أو المطبقين له، مضيفا «لا يمكن الانتقال من وضع معين إلى الوضع المنشود من غير القبول بالتحليل والنقد الموضوعي الصادق. إن الاختلاف بين الأطراف كافة أمر بديهي، ولابد من الاختلاف مع المسئولين في المرحلة السابقة، وأية حساسية في هذا الاتجاه لابد أن تنتهي بإغلاق الملف (الإصلاحي)».
وأبدى الوزير السابق استعداده للمحاسبة قائلا «لقد كنت وزيرا، ومن الضروري أن يقال لي إنني كنت مسئولا عن كذا وكذا، فإما أن أقر بخطيئتي وأعتذر إلى المجتمع وإما أن أفسر أسباب ذلك أو أعلن عن أنني كنت عاجزا عن الأمر».
وانتقد فخرو «القوى التي تقول إن الإصلاح يمكن أن يكون من دون نقد أو تحليل» مؤكدا قوله «هذا لا يمكن أن يكون في تاريخ البشرية كلها».
الثانية: الإصلاح ليس الثورة
أما البديهية الثانية فقد أوضح فخرو خلالها الفرق بين الإصلاح والثورة، إذ رأى أن للثورة منطلقاتها وأساليبها المختلفة، فهي تستعجل الوقت وقد تكون عنيفة وتؤجج الناس، داعيا إلى معرفة الإصلاح «لكي نتعايش معه». مستدركاً القول «يجب أن يكون الإصلاح شاملا وجذريا ومترابطا، وإذا كنا نريد عملية إصلاحية في البحرين فلابد أن تكون كذلك».
وعن التدرج في الإصلاح قال «عندما نتحدث عن التدرج في الإصلاح فهناك شروط خاصة لهذا التدرج لابد من الأخذ بها، وأهمها التقدم الدائم ورفض التراجع في العملية الإصلاحية، وحتى لو كان التقدم بطيئا فهذا لا يمثل مشكلة والناس يتقبلون ذلك، إلا أن المشكلة تكون حين يحدث التراجع فيفقد الناس تعلقهم بالمشروع».
وشدد فخرو على ضرورة ألا يكون المشروع الإصلاحي على حساب الضعفاء والمهمشين، وطرح مثالا للعاطلين عن العمل قائلا: «لا يمكن أن تقول للعاطل «انتظر» وهو يراك في معيشة هانئة وتدعوه للانتظار ربما 10 أو 15 سنة ليحصل على وظيفة وسكن ويتزوج ويصل الى مستوى مثلك، فالعملية الإصلاحية لا تستطيع أن تبقى في الهواء وتقول للناس انتظروا طويلا».
ودعا إلى «ألا تكون العملية الإصلاحية من قبل من حاربوا الإصلاح، فلابد ممن يقومون بالإصلاح أن يكونوا مؤمنين به»، مؤكدا أهمية أن يستند الإصلاح إلى مرجعية واضحة، قائلا «في البحرين لدينا الميثاق، ولكن الميثاق يجب أن يفهمه الناس فهما مشتركا».
الثالثة: التوازن بين قوى المجتمع
فيما أكد فخرو في البديهية الثالثة «أن الإصلاح يتطلب توازناً معقولاً في المجتمع، وأهم هذه التوازنات التوازن ما بين الدولة وقوى المجتمع المختلفة»، داعيا قوى المجتمع إلى تنظيم دائم لدعم الحركة الإصلاحية المستمرة، معتبرا مسألة «تحميس» الناس قد تأتي بإصلاحات مؤقتة وليست دائمة، مستدركا قوله «هذا لا يعني ألا يكون هناك حشد (للجماهير) وتنظيم في جو سلمي وتفاهمي».
مضيفا «من أجل أن تبني قوى المجتمع هذا التنظيم لابد من تراكم الانتصارات الصغيرة حتى تستطيع هذه القوى أن تدعو الناس إلى اتباعها، ولابد من قيادات تاريخية في المجتمع، لأنك لا تستطيع أن توازن هيبة الدولة مع قيادات متصارعة بين بعضها بعضاً وما لدينا الآن للأسف».
وأشار إلى أنه «في الأوقات الحرجة لابد من أن تقوم كتلة قد نسميها بـ (الكتلة التاريخية أو الكتلة الحرجة) لتتفق على مشتركات وتتحرك في إطارها»، مؤكدا أن بديهية التوازن المطلوب بين قوى المجتمع وقوى الدولة لم تتحق في البحرين بعد.
كما أبدى استغرابه من «التمزق» الذي قد يحدث أحيانا داخل الجمعيات ومنها الجمعيات الأربع.
الرابعة: الإصلاح في النظام الديمقراطي
وبين فخرو في البديهية الرابعة الفرق بين الإصلاح في ظل النظام الفردي والنظام الديمقراطي، قائلا «إن الديمقراطية لا يمكن أن تعيش من دون معارضة، فالمعارضة تساوي التغيير، وهي المطالبة بذلك دائما، وفي الدول المتقدمة الحزب المعارض قد يتسلم الحكم».
مضيفا «المعارضة ليست للاتفاق فقط، بل أن مسئوليتها أمام المجتمع أن تعبر عن تطلعات الناس وأحلامهم ليبقى المجتمع متطلعا دائما نحو مستقبل أفضل».
الخامسة: القضايا المفصلية
واعتبر فخرو قضايا الدستور وتمثيل الناس وتوزيع الثروة ثلاث قضايا مفصلية يجب أن تشملها العملية الإصلاحية.
وقال في البديهية الخامسة «لابد من استقرار موضوع الدستور، وأية محاولة للدعوة إلى عدم الحديث في هذا الموضوع فهي أمر خاطئ، تماما كأن تمنع ابنتك من حديثها عن الزواج».
معتبرا أن «لا غلبة في قضية الدستور، فالدستور إذا لم يتم التوافق عليه سيبقى كالحلقة في رقاب الناس أو كأسطورة الطير الذي كلما أحرقته نهض من تحت الرماد من جديد»، وشجع على الحوار في هذا الصدد قائلا «الحوار بشأن الدستور يجب أن يكون معمقا، فالعملية الإصلاحية ستتأثر بهذا الموضوع في المستقبل».
ووصف مسألة تمثيل الناس بأنها «بالغة الخطورة» داعيا إلى «تحقيق استقلال السلطات الثلاث استقلالا حقيقيا، كما أن السلطة القضائية إذا لم تكن مستقلة تماما فهذه تعد مشكلة كبيرة».
ورأى فخرو أن الإصلاح لا يمكن أن يكون من دون توزيع عادل للثروة قائلا «أنت لا تستطيع أن تقوم بإصلاح إلا إذا كنت تكذب على نفسك إذا لم يكن هناك توزيع عادل للثروة».
وردا على سؤال بشأن «الثروة الخليجية» قال إنها أكبر من عدد السكان وهذا الأمر معروف، والمشكلة هي في سوء توزيع الثرورة وهو ما لا يرضى به الله سبحانه ولا الضمير الإنساني ولا هو من صالح من يقومون بذلك، لأن السحر في النهاية قد ينقلب على الساحر.
السادسة: تجنب المنغصات
فيما وصف فخرو بعض القضايا الأخرى بـ «المنغصات»، وضمن إيضاحه للبديهية السادسة، قال «هناك مشكلة المبالغة في الوعود حين لا تتحقق، فمن الأفضل البدء بوعود صغيرة وتحقيقها شيئا فشيئا».
كما انتقد ما أسماه «مخاطر التجريب الدائم»، وذكر قانون النوخذة البحريني كمثال عليه، مطالبا بأن يكون التجريب وفق دراسة متأنية من البداية.
وتعرض فخرو إلى «حساسية موضوع الإعلام»، قائلا «الكلمة لها تأثير كبير، والإعلام يمكن أن يؤدي إلى إيذاء شديد ويؤدي إلى تسميم الجو كله، ويتحول إلى مطرقة تكسر النواة كلها»، منتقدا «تضخيم الإعلام للحوادث الصغيرة».
مضيفا «يتألم الإنسان يوميا عندما يشاهد أخطاء الإعلاميين وخصوصا الكتاب، فأنا لا أفهم لماذا انقلب بعض الكتاب 180 درجة، وهي ظاهرة على مستوى الدول العربية».
السابعة: أولى الأولويات
أما البديهية السابعة والأخيرة فقد قال فيها «إن كثرة الأولويات نتيجة لكثرة الهزائم، فالوطن العربي نتيجة لما عاشه من هزائم في فلسطين والعراق والديمقراطية يجعلها اليوم من أولوياته، والإنسان العربي بإمكانه أن يسرد لك الكثير من الأولويات وهو يشرب الشاي في المقهى ولكن المهم ما هي أولى الأولويات؟».
مضيفا «في اعتقادي الشخصي أن أولى الأولويات تتمثل في وجود حياة سياسية صحية والتي من دونها لا تستطيع أن تحل مشكلة البطالة أو التعليم وغيرها على المدى البعيد، وأنا أرى أنها الأولوية التي يحتاجها مشروع جلالة الملك الإصلاحي الآن». وفي رده على سؤال بشأن الثقة بين قوى النظام وقوى المجتمع، قال فخرو «من الضروري أن تكون الثقة متبادلة، ولكن يجب أن نكون واقعيين فهناك القوى التي تريد أن تكسب أكثر وأكثر، والنوايا الطيبة لا تكفي، فالحل هو في وجود توازن معقول للقوى داخل المجتمع... إن الحياة السياسية يجب ألا تبنى على أساس وجود الرجل الطيب، بل يجب علينا إيجاد نظام سياسي يمنع من وصول الرجل السيئ».
وردا على سؤال آخر بشأن أدائه كوزير سابق في مجلس الوزراء قال «كنا نبين وجهات نظرنا بصراحة في مجلس الوزراء، وقد تحدثنا عن التوزيع العادل للثروة وغيرها من القضايا ... كوزراء كنا قادرين على التغيير في داخل وزاراتنا».
مضيفا «إن تقييم أدائي في وزارتي الصحة والتربية متروك إلى الناس، ولكن يمكنني القول إنني حين تسلمت وزارة الصحة لا أبالغ إن قلت أنها كانت تعيش القرن التاسع عشر وأحدثت تغييرات كبيرة فيها، وللأمانة أقول إن مجلس الوزراء لم يعارض كل هذه التغييرات، وكذلك الحال بالنسبة إلى التغييرات التي أجريتها في «التربية» وقد كنت أحيانا أأخذ الموافقة على القرارات من الأمير الراحل مباشرة».
أداء الجمعيات الأربع
وردا على سؤال بشأن ما إذا كانت جمعيات التحالف الرباعي قد نجحت في أدائها أم لا، قال «من المبكر الحديث الآن عن كون الجمعيات الأربع نجحت أم لا... أعاقت المشروع الإصلاحي أم لا»، مضيفا «منذ بداية الحركة الإصلاحية قلت للإخوة (الجمعيات المعارضة) إن القضية طويلة في العمل السياسي، حاولوا أن تتفقوا على مشتركات تقفون إلى جانبها وهذا لا يمكن الوصول إليه إلا من خلال «كتلة تاريخية»، وتساءل فخرو «أين الجمعيات المهنية والحقوقية وغيرها؟ إنها تدور في فلك لوحدها من دون الجمعيات السياسية، بينما من المفترض أن تدور الجمعيات كلها في فلك واحد».
وفي إشارة إلى إصرار الجمعيات الأربع على ضرورة حل بعض الملفات ومنها المسألة الدستورية قال فخرو: «الإنسان يجب أن يصل إلى مرحلة يقف فيها ويصر على مطالبه ولا يضع كل شيء للمستقبل خصوصا إذا كان الناس ينتظرون منك شيئا فأنت لا يمكن أن تؤجل كل شيء».
وأيد ما طرحه النائب جاسم الموالي من أهمية العدالة في توزيع الدوائر الانتخابية، معتبرا إياها إحدى التفاصيل المتعلقة ببديهية تمثيل الناس في الديمقراطية، كما دعا فخرو إلى إشاعة ثقافة حقوق الإنسان معتبرا أن «المدرسة من دون ديمقراطية لا تنتج ديمقراطية، إذ إن الثقافة تبدأ من المدرسة وهي مسئولية الدولة، وكذلك الحال بالنسبة إلى مسئولية «الإعلام»، أما مؤسسات المجتمع المدني فيجب أن تمارس الديقراطية بنفسها وألا تطبق سياسة «المطبخ الصغير» في اتخاذ القرارات، فكما أننا ننتقد الأنظمة في ذلك علينا ألا نطبقه».
وعن رده على السؤال التقليدي «هل أنت متفائل؟» قال «أنا أتجنب مسألة التفاؤل والتشاؤم، وفي اعتقادي أن هناك متطلبات موضوعية في كل شيء، فإذا أردت أن تنجح في الامتحان الدراسي عليك أن تذاكر، وإذا أردت أن تكون غنيا أو عالما عليك أن تسعى إلى ذلك، وهكذا إذا أردنا الإصلاح فعلينا أن نأخذ بهذه البديهيات، فنحن لدينا شعب حي ومتعلم، وجلالة الملك يؤكد على الإصلاح في خطاباته دائما ولدينا مجتمع عالمي يدفع في هذا الاتجاه وإن كانت لديه انتكاسات كبيرة، هذه المعطيات يمكن لها أن تحقق الإصلاح وأنا لم أعتد على التشاؤم أبدا».
من جهة أخرى فضل فخرو (مبتسما) عدم الإجابة على سؤال بشأن إذا ما كان يتمنى أن يعود وزيراً أم لا
العدد 754 - الثلثاء 28 سبتمبر 2004م الموافق 13 شعبان 1425هـ