العدد 753 - الإثنين 27 سبتمبر 2004م الموافق 12 شعبان 1425هـ

الزرقاوي بعد صدام

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

حين رفض مجلس الأمن الاستجابة لطلب إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش بالموافقة على حملة عسكرية ضد العراق وتصريح كبار المسئولين في واشنطن بأن الولايات المتحدة ستتصرف بمحض إرادتها، أصبحت الحملة العسكرية على العراق تتعلق بعامل الزمن فقط. ففي هذا الوقت كانت حاملات الطائرات الأميركية والفيالق العسكرية وصلت إلى منطقة الخليج تأهبا لساعة الصفر. في هذا الوقت كانت بعض الجهود الدبلوماسية اليائسة تجري في بغداد. ويتذكر أحد الدبلوماسيين الأوروبيين الكلمات التي صدرت عن نائب الرئيس العراقي المخلوع طه ياسين رمضان حين قال لوفد أوروبي زائر«إننا لا نفهم لماذا تريد الولايات المتحدة تدمير بلد علماني هو البلد العلماني الوحيد في الشرق الأوسط إلى جانب سورية». وأضاف رمضان «ستنشأ فوضى في العراق وفي النهاية سينتصر الإسلاميون والإرهابيون».

كان هذا في الربع الأول من العام 2003. هذه الأيام يقبع رمضان في السجن مع غالبية أعضاء مجلس قيادة الثورة بانتظار أن تجري محاكمتهم، إذ يرى الكثيرون هؤلاء في طريقهم إلى الإعدام. لكن النائب السابق يترك للأميركيين النبوءة السارة التي تم الإشارة إليها. بيد أن النصر لم يحسم للإسلاميين المتشددين في العراق غير أنهم نجحوا في تصعيد أعمال العنف وإثارة الفوضى ومنذ وقت بعيد فقد الأميركيون السيطرة على العراق على رغم أن الرئيس الأميركي ذكر في خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أن الوضع في العراق يتحسن وأن هذا البلد في طريقه كي يصبح أول بلد عربي ديمقراطي. اعتبر المحللون أن بوش كان يتحدث على منبر الأمم المتحدة إلى الناخبين الأميركيين وليس في باله طرف آخر. فالرئيس المثقل بأعباء حرب العراق ونتائجها يريد في المرحلة الحاسمة لحملة انتخابات الرئاسة أن يقول للأميركيين إنه قام بعمل جيد في العراق وأن هناك نتائج إيجابية لصرف النظر عن نتائج أخرى تبرز مع عودة أعداد متزايدة من الجنود الأميركيين في العراق داخل صناديق خشبية. في الشهر الماضي سقط الجندي رقم ألف منذ أن أعلن بوش في الأول من مايو/ أيار نهاية العمليات العسكرية الرئيسية. لكن المراقبين لحرب ما بعد الحرب في العراق يقولون إن كلام بوش لا يمت للواقع العراقي بصلة. وليس أدل على ذلك أكثر من أن الأسبوع الماضي كان دمويا وشهد قطع رأس مواطنين أميركيين. وأعلنت جماعة «التوحيد والجهاد» التي يتزعمها الأردني أبومصعب الزرقاوي (37 عاما)، مرة جديدة مسئوليتها عن قتل رهائن غربيين أمام الكاميرا. وظهر أشخاص يرتدون ملابس سوداء اللون تختفي وجوههم وراء أقنعة وأمامهم الرهينة الأميركي أويغن أرمسترونغ الذي اختطف من حي المنصور الراقي في بغداد. وفقا لما ذكرته الـ «سي آي إيه» قام الزرقاوي شخصيا بقطع رأس أرمسترونغ. نفس المصير تعرض له ابن بلدته نيكولاس بيرغ قبل أن يبلغ سن الـ 49. يواجه البريطاني كينيث بيغلي نفس المصير وسمح له خاطفوه أن يرسل رسالة عبر الفيديو إلى رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، إذ ناشده فيها أن يستجيب لمطالب الخاطفين لغرض الإفراج عنه. لكن هدف الزرقاوي على ما يبدو أن يحرض الرأي العام في بريطانيا والولايات المتحدة لمعارضة حرب العراق وإجبار واشنطن ولندن على سحب جنودهما من العراق. يتفق غالبية المحللين في الرأي على أن النشاطات المتزايدة للإسلاميين كشفت حدود نفوذ الحكومة العراقية الانتقالية وكذلك عن انقسام داخل هذه الحكومة. ذلك أن بعض الوزراء خلافا لرئيس الوزراء إياد علاوي وافقوا على الاستجابة لمطالب الخاطفين بالإفراج عن عراقيات معتقلات بينهن هدى مهدي صالح العالمة العراقية التي يتهمها الأميركيون بالمشاركة في بناء برنامج أسلحة الدمار الشامل في العراق.

غير أن رفض الاستجابة لمطالب الخاطفين صدرت بصورة رئيسية من قبل واشنطن ولندن. في مهرجان انتخابي في بنسلفانيا قال بوش أن الإرهابيين لن ينتصروا وأنه بوسعهم قطع رؤوس البشر وهذا سلاحهم الوحيد لكنهم لن ينتصروا علينا. ولوحظ أن كبريات الصحف الأميركية اهتمت فقط بتغطية ردود فعل قطع رأس أرمستورنغ وهينزلي في مسقط رأس كل منهما لكن المعلقين السياسيين التزموا الصمت. موقف علاوي لا يختلف عن موقف واشنطن ولندن وهذا يتحدث منذ وقت نفس اللغة التي يستخدمها كبار المسئولين في الولايات المتحدة وبريطانيا. قال رئيس الوزراء العراقي أمام مجلس الشيوخ: ستعاني شعوب العالم الحر إذا تم التفاوض مع الإرهابيين. لا يحمل بوش نفسه مسئولية ما يجري في العراق في مرحلة ما بعد الحرب وكأن الولايات المتحدة ليست معنية بصورة مباشرة بما يجري في هذا البلد العربي وأن قتل رهائن غربيين عبارة عن ظاهرة نادرة ستنتهي بتحقق الاستقرار في العراق. وكانت إدارة بوش تأمل بأن يتحقق الاستقرار حين أوكلت السلطة لعلاوي. قبل الحرب عانى العراق من الحصار وخلال الحرب من القنابل المدمرة ويعاني اليوم من نتائج الحرب بصورة خاصة تفجير السيارات المفخخة والعمليات الانتحارية وخطف رهائن. هذه العمليات لا تلحق أذى فقط بالمواطنين المحليين وبقوات الاحتلال فحسب. منذ مطلع العام تم اختطاف 170 مواطنا أجنبيا في العراق، 29 منهم على الأقل تم قتلهم والبعض أمام الكاميرا. بين المحتجزين اليوم صحفيان فرنسيان لا أحد يعرف شيئا عن مصيرهما وكذلك سيدتان إيطاليتان.

لا يشك المراقبون في أن يقوم الزرقاوي بقتل الرهينتين الإيطاليتين. ووضعت الولايات المتحدة مكافأة مالية قدرها 25 مليون دولار لمن يرشد إلى مكانه. المخابرات الألمانية كانت تعتقد أنها تعرف الكثير عن الزرقاوي نتيجة الظن أنه أمضى بعض الوقت في ألمانيا بعد أن حارب في أفغانستان وحاول تأسيس خلية في ألمانيا تحت اسم «التوحيد» وكان يسعى للاستعانة بخبير في فخفخة السيارات. لكن لا أحد في أجهزة الاستخبارات العربية والغربية يعرف الصلة الحقيقية القائمة بين الزرقاوي وزعيم «القاعدة» أسامة بن لادن وما إذا الزرقاوي ينشط في العراق تنفيذا لأمر من بن لادن أم أنه ينافسه واستقل عن «القاعدة». تقدر أجهزة استخبارات عربية عدد الموالين للزرقاوي بنحو 1500 رجل من جنسيات مختلفة وكثير منهم حاربوا في أفغانستان: من الجزائر وسورية والسودان واليمن وكذلك من السعودية ومصر. كما يعتقد المراقبون أن الزرقاوي قد يكون أقام ما يشبه تحالف مؤقت مع بعض الموالين للرئيس العراقي السابق. في الغضون يهلل العراقيون في شوارع بغداد كلما ضرب الإسلاميون عربة عسكرية أميركية أو دبابة وأضرموا النار فيها. في الأسبوع المنصرم أثار خبر روجته المخابرات العراقية قلق البعثات الدبلوماسية الغربية في العراق. أورد الخبر أن الزرقاوي يخطط لهجوم في مستوى هجوم الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 داخل الولايات المتحدة أو داخل بلد غربي حليف لها. أن تضع الاستخبارات الغربية الزرقاوي في مثل هذا السيناريو المرعب عائد إلى تحليلات الاستخبارات الأردنية التي استطاعت في مطلع العام الحالي الحيلولة دون انفجار أربع سيارات مفخخة وسط مدينة عمّان كانت تحتوي على كمية كبيرة من العبوات الناسفة وأسلحة سامة. فقد اتهم الأردنيون الزرقاوي وأدين غيابيا بحكم الإعدام

العدد 753 - الإثنين 27 سبتمبر 2004م الموافق 12 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً