المشكلة واحدة والعناوين مختلفة: البطالة، الفقر وتحسين مستويات المعيشة. يوم الخميس 23 سبتمبر/ أيلول الماضي كانت هناك مقاربة لمواجهة هذه المشكلة تمثلت في ورشة العمل التي عقدها مجلس التنمية الاقتصادية بعنوان «إصلاح سوق العمل» وحضرها ولي العهد سمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة.
في تلك الورشة، كانت هناك دراسة تسعى لتشخيص المشكلة واقتراح الحلول. هذه الدراسة والحلول المقترحة قابلة للنقاش والمراجعة والنقد والاخذ والرد وحتى الدحض لانها ببساطة اجتهاد في موضوع هو من الشمول بحيث تختزله دراسة واحدة.
ويوم الجمعة 24 سبتمبر، كانت هناك مقاربة أخرى لمواجهة مشكلة الفقر تمثلت في الندوة التي نظمها مركز البحرين لحقوق الانسان في نادي العروبة. وفي تلك الندوة كانت هناك دراسة أيضاً عن المشكلة سعت الى تشخيصها ورصدها. هذه الدراسة أيضاً قابلة للنقاش والمراجعة والنقد والأخذ والرد وحتى الدحض لانها ببساطة اجتهاد في الموضوع نفسه.
في كلا المناسبتين، كان هناك حضور قوي لمؤسسات المجتمع المدني، لكن ورشة «سوق العمل» زادت بحضور كثيف أيضاً للحكومة وأعضاء البرلمان والخبراء الاقتصاديين البحرينيين والاجانب.
في كلا الفعاليتين، كانت هناك شاشات وصور، في الأولى عرضت الدراسة وخلاصاتها عبر «سلايدات الكمبيوتر»، وفي الثانية عرضت مادة فيلمية تعرض لنماذج من عائلات فقيرة في البحرين.
في كلا الورشتين كان هناك نقاش مستفيض وطروحات، لكن الفارق يكمن في الوجهة. فبينما قدمت ورشة «إصلاح سوق العمل» تلك الدراسة كمقدمة وأرضية لنقاش أوسع يراد له ان يمضي قدماً على المستوى الوطني حول مشكلة البطالة، فان ندوة العروبة انتهت إلى أن يردّد جمهور يطحنه الفقر الأدعية والهتافات.
لا يعود هذا الى طبيعة الجمهور في قصر القضيبية ولا الى الجمهور في نادي العروبة. فالاستنتاج السهل المريح للذهن هو أن يلفت أحد عنايتنا الى أن جمهور «الورشة» من اصحاب الياقات البيضاء وجمهور الندوة من الفقراء الذين يطحنهم الفقر. الفارق يكمن في مشكلة التعامل مع المعلومات ونحن بامتياز وجدارة لا نتعامل مع المعلومات بما تستحق. المعلومات متاحة والدراسات متاحة والقدرات متاحة والكفاءات موجودة لكن الخيار سيبقى لنا دوماً. فاما أن تقودنا المعلومات والحقائق الى التحليل والمقارنات والاستنتاج والفهم واستنباط الحلول أي العقل وملكاته، واما ان تقودنا الى ترديد الادعية واللعنات وندب حظنا العاثر.
سنتساءل: أين الخلل؟ وفي ملمح جانبي للمقارنة أيضاً، جاء المشاركون في ورشة «اصلاح سوق العمل» منذ الصباح الباكر وقد قرأوا الدراسة قبل أيام من الورشة وقضوا النهار كله في النقاش والمناظرات. اما جمهور الندوة فقد جاء كعادته مساء ليقضي ساعات معدودة متلهفاً لجرعة من التفاؤل حيال مستقبله ومستقبل أبنائه. هل يشكل وقت النقاش فارقاً كبيراً؟ كلا، لكن فيما ينخرط المشاركون في «الورشة» في النقاش ويتم استحضار المشكلة بشكل أكثر عبر الشاشة أيضاً بعرض المواد الفيلمية من الدراسة، يتلقى جمهور الندوة تحفيزاً إضافياً عبر جرعات اضافية لمشكلة الفقر عبر الشرائط الفيلمية أيضاً. الاسلوب واحد لكن الفارق يكمن في الوجهة النهائية التي ستؤدي اليها الوسيلة. العين تتحفز مع الذهن وتستحضر المشكلة في أشد صورها كثافة في كلا المكانين، لكن النتيجة النهائية مختلفة تماماً، ووجهة جمهور الورشة مختلفة عن وجهة جمهور الندوة. ففيما تتزايد جرعات التفاؤل لدى جمهور الورشة استعداداً لمناظرات على المستوى الوطني يشارك فيها الجميع، يغرق جمهور الندوة من جديد في تلك الدائرة البغيضة من التشاؤم واليأس لان اسلوب التلقي ينحو للشحن النفسي لا المناظرة.
النتيجة: من يتذكر دراسة الفقر الآن بعد اعتقال الناشط عبدالهادي الخواجة؟ أين ذهبت الخلاصات والنتائج التي انتهت إليها كلا الدراستين، وكيف سيتأسس النقاش عليهما؟ بات موضوع الحريات يتقدم كل شيء الآن، وهذا من شأنه أن يثير الكثير من الغبار حول كل البصائر في هذا البلد. كيف أصبحت الاجواء الآن بعد ساعات قليلة من التفاؤل عاشها البحرينيون وهم يتلمسون أسلوباً لحل واحدة من أكبر مشكلاتهم يقوم على مشاركة مؤسسات المجتمع بأسره ضمن مناظرات واسعة ونقاش وطني ممتد؟
من حق عبدالهادي الخواجة كمواطن أولاً، وكناشط ثانياً، أن يتمسك بأية وجهة نظر يطمئن لها عقله وقلبه. ومن حقه علينا أن ندافع عن حقه في التعبير، لكن كما ترون ونحن نفترض حسن نوايا «أبوزينب» ونتمنى خروجه السريع من سجنه، لا يمكننا أن نغض الطرف أكثر عن فارق هائل بين عقليتين وأسلوبين ومقاربتين للتعامل مع قضايانا ومشكلاتنا، ظلتا ملازمتين لنا منذ أكثر من عامين، ودفعنا لحالٍ من الشلل. فهذا الفارق مثلما ترون خطير، بل وخطير للغاية لأن الجميع يدفع ثمنه
إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"العدد 753 - الإثنين 27 سبتمبر 2004م الموافق 12 شعبان 1425هـ