شكلت انتفاضة 5 مارس/ آذار 1965 أهم حدث في ستينيات القرن الماضي في البحرين. كنت حينها أدرس في الجامعة الأميركية في بيروت، إلى جانب عدد من طلبة وطالبات البحرين.
لكنه بسبب تخلف الاتصالات حينها، وعزلة البحرين القسرية عن العالم الخارجي فقد كانت أخبار الانتفاضة تصل إلينا متأخرة وغير دقيقة وغير تفصيلية، أما أهم مصادر الأخبار حينها فكانت الإذاعات وخصوصا «صوت العرب»، وبغداد ودمشق، ولندن بالطبع، ومن الصحف التي تناولت تطورات الانتفاضة كانت صحيفة «الحياة»، و»الأنوار»، و»لسان الحال»، و»المحرر» ولأن الشيخ غسان كنفاني مسئولا أساسيا فيها. أحمد شومان الناصري رئيسا لتحرير صحيفة «بيروت المساء»، ولذلك فقد كانت تغطية هاتين الصحيفتين متميزة، وكذلك الحال صحيفة «الحرية» المعبّرة عن حركة القوميين العرب ورئيس تحريرها محسن إبراهيم والتي بالطبع كانت تغطي الأحداث من وجهة نظر حركة القوميين العرب.
أما التغطية الاستثنائية فتفردت بها مجلة «الأسبوع العربي»، التي أوفدت مندوبا عنها وهو محمود السماك بعد مرور أسبوعين - حسب ما أعتقد - على اندلاع الانتفاضة. وقد وصل إلى البحرين بدون سمة دخول بالطبع لعدم وجود تمثيل دبلوماسي للبحرين في الخارج حينها لأن بريطانيا كانت تتولى هذا التمثيل.
وحسب ما ذكره لاحقا في تحقيقه الصحافي، فقد مُنع من دخول البحرين أولا، ثم جرت اتصالات بين سلطات المطار وبلجريف الذي سمح له بالنزول اضطراريا حتى تتوفر طائرة لإرجاعه، وأعتقد أنه بقي في البحرين ليومين، ثم أُبعد إلى لبنان عن طريق الكويت. لكن هذين اليومين أتاحا له الفرصة للالتقاء بمواطنين وصفوا له ما جرى من أحداث، وقد عرض تجربته هذه في ندوة نظمتها رابطة طلبة البحرين في بيروت بالتعاون مع رابطة طلبة الكويت وفرع اتحاد طلبة فلسطين، ولقيت صدى كبيرا في الأوساط الطلابية.
لعبت رابطة طلبة البحرين في بيروت، مثلها مثل باقي الروابط في القاهرة ودمشق وبغداد، دورا مهما في التحرك الإعلامي والسياسي لنصرة الانتفاضة وكشف الأوضاع السائدة، وتسلط الإنجليز على شعب البحرين.
لقد تحولت الرابطة إلى خلية نحل، وتم اجتماع الجمعية العمومية التي قررت أن تبقي اجتماعاتها مفتوحة، وجرى تكليف الهيئة الإدارية وكنت حينها أحد أعضائها وباقي الأعضاء بمهام إعلامية وسياسية كما يأتي:
1- الاتصال بالسياسيين اللبنانيين الوطنيين مثل رئيس الوزراء رشيد كرامي ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي كمال جنبلاط، والذي استقبلنا في داره بالمختارة بجبل الشوف وقد لقينا منه تجاوبا كبيرا وأوعز إلى صحيفة «النبأ» الناطقة باسم الحزب بإجراء حديث معنا كما نقلت تصريحا صادرا عنه.
2- إرسال برقيات إلى الزعماء العرب حينها ومنهم الرئيس جمال عبدالناصر، والرئيس أحمد بن بلا والرئيس عبدالسلام عارف، والرئيس عبدالله السلال، والرئيس الأتاسي، وذلك عن طريق البريد المركزي، وقد تسلمنا بعض الردود ومنها رد الرئيس الجزائري أحمد بن بلا.
3- الاتصال بروابط طلبة البحرين في الخارج، وقد قمنا بزيارة إلى دمشق حيث اجتمعنا معهم في فرع الرابطة، كما قمنا بزيارة للقائد الوطني عبدالعزيز الشملان في بيته، حيث جرى في مجلسه استعراض لتطورات الانتفاضة.
هذه بقايا صور من تلك الأيام الجديدة ولعلها حافز لجميع الوطنيين لتوثيق انتفاضة مارس المجيدة.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 2377 - الإثنين 09 مارس 2009م الموافق 12 ربيع الاول 1430هـ