العدد 753 - الإثنين 27 سبتمبر 2004م الموافق 12 شعبان 1425هـ

«أشياء رسّام»: القوة الإبداعية في حالتها الخام

بيكاسو، رسام أشياء...

باريس - كلودين كانتي 

تحديث: 12 مايو 2017

«بيكاسو، رسام أشياء رسام» - أشياء رائعة... لا يمكن إضافة تعبير آخر إلى عنوان المعرض الفخم الذي ينظم طيلة الصيف في متحف «سيري» للفن الحديث وفي الخريف في المسبح - متحف الفن والصناعة في روبي - خاتم احتفالات «ليل 2004، عاصمة أوروبية للثقافة»! وحّد المتحفان جهودهما «لعرض قراءة جديدة لمبدأ الفنون التطبيقية». أشياء جديدة وكثيرة، هناك أكثر من 400 قطعة جمعت من أكبر متاحف العالم، ومن مجموعات خاصة لم تعرض إلا نادراً، لتشهد على القوة الإبداعية والابتكارية التي لا تنضب لرسام لم يكف عن الادهاش والفتنة.

نجد وللمرة الأولى مجتمعة عشرة أطباق كبيرة وخمسة أطباق فاكهة فضية مصقولة أنجزها فرنسوا هيغو (من أحفاد فكتور هيغو) انطلاقا من مشروع خاص لبيكاسو. تعتبر من الأشياء الناجحة في سعي أميني المتحفين جوزيفين ماتوموروس في سيري وبرونو غوديشون في روبي وراء «الأشياء» المشتتة. إن ما يلفت النظر خصوصاً هو طبق الفاكهة البيضاوي الشكل والذي لم يعرض حتى اليوم، فقد جاور الطبق الدائري، كما طبقا على شكل سمكة (قطعة فريدة) وطبقا آخر على شكل ورقة نفل إذ ارتسم وجه امرأة في قاعه الدائري المشكل بزواياه الأربع. طبق الفاكهة العزيز على سيزان هو غرض تميمي في أعمال بيكاسو كما تشهد العروض في القاعة الأولى لنحو اثنتي عشر لوحة تمثل الطبيعة الجامدة والتي يتربع فوقها طبق الفاكهة. أما من حيث العمل على الفضة، فمن المدهش أن بيكاسو اعتاد على إعادة ابداع قطع جديدة تُظهر وجوها جديدة على سبيل المثال.

لم تعص مادة من القرميد أو الحجر أو الخشب أو الفخار الأحمر والأبيض أو الشريط الحديد أو الكرتون أو الورق أو الصوف أو القماش على عمل العبقرية متعددة الوجوه لبيكاسو، فقد عمل بها جميعا لابتكار مجموعة من المزهريات، والنحوت والحلي والتماثيل وأباريق الماء والأطباق والصحون وحلقات المناشف، كما لديكور وأزياء المسرح، بفرح وخيال مع بعض المرح. قال للكاتب ولوزير الثقافة أندريه مالرو كما لو أنه أراد اظهار الناحية «المفيدة» من أعماله أثناء إعادة ابتكاره فن الخزف في فالوريس (وادي الذهب) جنوب فرنسا: «صنعت صحونا، هل أخبروك؟ إنها جيدة ويمكن استعمالها لتناول الطعام». أجل من الممكن «تناول الطعام» فيها أي الأسماك وقطعا لليمون الحامض والكستلاتة المنقوشة في بعضها.

جعل بيكاسو من خزفياته النادرة التي (صنع منها حوالي 3500 قطعة خلال عشرين عاما) لوحات حقيقية تدور حول موضوعات عزيزة عليه مثل المسابقات وصراع الثيران الذي مثله على اطباق كبيرة وعلى مجموعات من 29 اناء (قدمها بنفسه لمتحف سيري كذكرى لمواسم الصيف التي أمضاها في هذه القرية بين العامين 1911 و1913 ومن ثم العام 1953) والتي حددت بشكلها الدائري الساحة إذ يجري صراع الثيران. واصل ابتكاره في عمله على الفخار، ونحت ورسم «منحوتات - خزفية» في غاية الدعابة والحنان، مثل وضع زجاجتين في توازن على بعضهما مع عنق منتصب على شكل طويلات الساق. وظهرت من أعماله على الفخار (قبضة، عنق، الفتحة، القاع) أشكال حيوانات مثل الحمام، والبوم. تتقدم «الامرأة ذات الشعر الأخضر» المرسومة على أربع صفائح من الخزف الموضوعة فوق بعضها، وتتحول زجاجات الفخار الأبيض المقلوبة إلى تماثيل من طين «طنغرة» ناعمة ومستقيمة. زين بيكاسو الحوافي وقاع الأواني الفخارية الحمراء راسما عليها العصافير ووجوه رجالية ونسائية أو بعض الشخصيات القديمة التي تستدعي مشاهد على الجرار القديمة والمزهريات السوداء والحمراء للرسامين الاغريق.

أحب بيكاسو تقديم الحلي طيلة حياته، وحافظ عليها أصحابها بدقة من (أصدقاء، ورفيقات، وأبناء) كما سلفهم. كان في البداية يشتريها ثم يحولها مضيفا إليها موضوعا يرسمه أو ينقشه على ميدالية أو ساعة أو سوار أو عقد، أو يعمل على الحصى التي كان يجمعها على الشاطئ. هذا ما اسماه المصور براساي «بعض آثار حضارة بيكاسو القديمة». استلهم ذات يوم وخلال جلسة عند طبيب الأسنان تحويل الذهب المستعمل في الأسنان وعدة الطبيب إلى حلي - النماذج منها مثل حلية «رأس الثور». وبشكل أكثر تواضعاً، أراد أن تتمكن النساء اللواتي يقمن بأعمال التنظيف من اقنتاء الحلي، فصنع في فالوريس مجموعة من الميداليات الفخارية، بعضها صنع بالذهب أو الفضة بمبادرة من صاحباتها. تقدم واجهات المعرض بعض العينات الرائعة من هذه الصياغة ذات الأسلوب المتميز.

ثمة مجال آخر عزيز على بيكاسو الذي أحب العمل في كل شيء، وهو الفنون المسرحية وخصوصاً الباليه التي جسدتها الفرقة الروسية مع سيرغي دياغيليف. وقد تمكن الشاعر جان كوكتو من جمع الثلاثي الساحر: دياغيليف وبيكاسو والملحن أريك ساتي. وأثارت الفضيحة ازاحة الستارة عن مسرح البالية «باراد» الذي رسمه بيكاسو العام 1917 والذي اطل على شكل تكعيبي، مع تماثيل بشرية من الكرتون وحصان عربة الفيكر ذو رأس بدائي لقناع إفريقي من الخشب. بعد سنوات سبع طور بيكاسو المسرح مع باليه «مركور» من الفن التكعيبي إلى السوريالي عبر ستارة وديكور وأزياء جديدة (كاتالوج غاليمار)





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً