العدد 753 - الإثنين 27 سبتمبر 2004م الموافق 12 شعبان 1425هـ

جمر القبلة المنتظرة

المنامة - عبدالله جناحي 

تحديث: 12 مايو 2017

هل يتذكر المرء عدد المواعيد التي التقى فيها بالأصدقاء والرفاق؟

بل هل يتذكر العاشق أو صائد النساء تفاصيل اللقاءات الغرامية وعددها؟

اشك في ذلك! غير أن المواعيد التي تمكن فيها هذا الصياد من إغواء العشيقة وإدخالها في شباك الغرام هي التي تبقى في الذاكرة، بل تصبح حديث هذا المغامر في تجلياته مع نفسه وخياله أو مع أمثاله من الصيادين!

هذا ما كثفه الشاعر جعفر الجمري في قصيدته «أضف إلى البحر بحراً» حينما خلق صورة أنثى تستسلم في الموعد الغرامي لإغواء الصياد.

«أي المواعيد تبقى؟

لست أذكرها إلا التي

كنت تغويها فتمتثلُ...»

صحيح أن الإغواء المقصود في المعنى البراني من هذا البيت هو حضور وتذكر المواعيد اللذيذة أو المؤلمة وامتثالها للإغواء، غير أن الهاجس الطافح هو حضور الأنثى، خصوصاً ان شاعرنا قد استخدم فعلاً ذا دلالة مرتبطة بالمكر والخديعة والايروتيكة (الإغواء والامتثال = الاستسلام للرغبة)!

انتشي من هذا البحر الشعري العمودي ولو كان مكسورا وخادعا للبصر وان كان فاضحا للسمع والبصيرة! وانتشي من التفعيلة المحببة للمتنبي في مدائحه المضخمة لسيف الدولة أو هجائه لأعداء هذا الأمير، وانتشي من لغة وصورة وقدرة لذيذة كريشة تطير على السحاب، تحسبه سجادة أيها الجمري الملتهب الضائع «فيك الماء يشتعلُ» وفي توريتك وبلاغك «الكون يختزل»، أيها الصوفي العبثي الفوضوي الوجودي بوجهك الحزين ورحابتك لحظة التجلي مع الراح وروحك «في شتات ريثما تصلُ»، هل ولماذا الحزن يطفح على سطح الراح في كأسك تبحث عن امرأة كنت غاويها، وعند ارتجاج السطح تنكسر الأنثى «فأي الحزن يحتملُ»، ومن هاجس الهواء والخفة، من رغبة الانطلاقة نحو الفضاء، من صورة تحول الماء، البحر ثم البحر إلى ريح، لينقلنا إلى هاجس الماء والهبوط، إذ يحول الخفـة إلى ثقل «هذا الهواء ثقيل»، ليقاوم وينازع حزنه طالبا الصعــــود، حتى لو كان صعوده صعود الروح إلى مطلقها، غير أن جسده ما زال على الطريق يسحبه نحو الثقل وهو يصرخ «ليتني أصلُ».

وإذا كان هذا الهاجس الثقيل الحزين يصاحبه حضور الليل، ولكن ليس ليل الفرح والراح والمرح والعبث، إنما ليل الروح الخاوية والوحدة القاتلة والرغبة الفاقدة، يبحث فيه عن منفذ وممر «وضوء يعلمني بحر النشيد.. ولا حضن ولا قُبَلُ...»، حينها بالتأكيد لا يتذكر إلا تلك الذكرى التي فيها أغوى الأنثى وانتصر، ليخرج من جنة التفاح منتظراً حلم الوصول إليها من جديد، منتظراً كجمرة لا يطفئها سوى البحر، صراع الهاجسين المائي (انطفاء الرغبة بعد كمالها) والناري ( اشتعال الرغبة في الروح والجسد) وبينهما الهواء (كبت الرغبة وتفريغها دون تحقيق المراد فعليا) هو المنتصر





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً