تحتفل الدول العربية في السابع والعشرين من سبتمبر/ أيلول من كل عام بيوم الزراعة العربية والذي يتزامن مع يوم تأسيس المنظمة العربية للتنمية الزراعية قبل ثلاثة عقود ونيف، إذ باشرت عملها في 27 سبتمبر العام 1972 كإحدى المنظمات العربية المتخصصة، والتي تمثل بيت الخبرة العربي في مجال الزراعة وتشكل اللبنة الأساسية للعمل العربي المشترك في مجالات التنمية الزراعية المستدامة.
وبهذه المناسبة أتقدم إلى أبناء الأمة العربية، وإلى العاملين في القطاع الزراعي والمهتمين بشئون الزراعة العربية بأجمل التهاني، سائلاً الله أن يعم الخير والرخاء الوطن العربي، وأن يتحقق أمل الأمة العربية في الوصول إلى غايات التكامل الزراعي المنشود والأمن الغذائي الآمن في إطار تكتل اقتصادي عربي عملاق يمكن الوطن العربي من مواكبة المتغيرات المعاصرة على الساحات الإقليمية والدولية، ومواجهة التكتلات الاقتصادية الكبرى التي يصعب مواجهتها من خلال الكيانات القطرية.
وفي هذا العام يحتفل الوطن العربي بيوم الزراعة العربية تحت شعار: «تنمية وإدارة المراعي... حماية للبيئة وزيادة في الإنتاج».
وقد جاء اختيار هذا الشعار استشعاراً من المنظمة العربية للتنمية الزراعية بأهمية تنمية وإدارة المراعي، والدور الذي تلعبه في حماية البيئة وفي زيادة الإنتاج، لتأمين الغذاء لأبناء الأمة العربية حاضراً ومستقبلاً.
وإيماناً من المنظمة بأهمية المراعي الطبيعية في زيادة الإنتاج والمساهمة في تحقيق الأمن الغذائي العربي واهتمامها بالبحوث في هذا المجال، فقد خصصت جائزتها السنوية للإبداع العلمي في المجال الزراعي للعام 2004، والتي تمنح لتشجيع الباحثين والمؤسسات البحثية في مختلف التخصصات الزراعية على التطوير وترقية مستوى البحوث في التخصصات المختلفة لموضوع تنمية المراعي الطبيعية وتطوير أساليب إداراتها.
وكما نعلم جميعاً، فإن المراعي الطبيعية تعتبر من أهم الموارد الطبيعية المتجددة في الوطن العربي، فاستناداً إلى اتساع رقعتها وتباين الأحزمة الإيكلوجية التي تشملها والتنوع الكبير في أحيائها ونباتاتها وقدرتها على تجديد نبتها، فإنها تلعب دوراً رئيسياً في الحفاظ على بيئة الأراضي الجافة وشبه الجافة التي تميز الوطن العربي. وتقدر مساحة المراعي بنحو 400 مليون هكتار تمثل 29 في المئة من المساحة الكلية للوطن العربي مقارنة بهذه النسبة على المستوى العالمي والتي تقدر بنحو 27 في المئة. فكما أوضحت الإحصاءات، فإن المراعي الجيدة أو المصنفة حالتها بدرجة جيد لا تزيد على 30 في المئة من مساحة المراعي الطبيعية، أما غالبية أراضي المراعي، فقد تعرضت لدرجات متفاوتة من التدهور من منطقة إلى أخرى وفق ظروف الاستخدام وتأثير تذبذب معدلات هطول الأمطار وتكرار فترات الجفاف.
وتتمثل أهمية المراعي في وطننا العربي في توفيرها الغذاء للحيوانات والتي يزخر الوطن العربي بأعداد كبيرة منها إذ تقدر أعداد الحيوانات التي تعتمد على المراعي الطبيعية في الوطن العربي بنحو 338 مليون رأس ماعدا الجاموس، منها 60 مليون رأس من الأبقار و158 مليون رأس من الأغنام و106 ملايين رأس من الماعز ونحو 14 مليون رأس من الجمال. وعلى رغم أن هذه الأعداد من الحيوانات تساهم في توفير نحو 4 ملايين طن من اللحوم الحمراء ونحو 21 مليون طن من الألبان سنوياً، إلا أن الفجوة الغذائية من اللحوم الحمراء والألبان مازالت مرتفعة إذ بلغت الفجوة فيهما، بحسب تقديرات العام 2003، نحو 790 مليون دولار و21 مليار دولار على التوالي.
وقد أثبتت الدراسات التي قامت بها المنظمة العربية للتنمية الزراعية أن المراعي الطبيعية في الوطن العربي تتعرض لضغوط مختلفة وممارسات غير مرشدة أدت في مجملها إلى تدهورها وتصحر الكثير من الأراضي وفقدان التنوع النباتي والحيواني وتعرض بعض الأصناف النباتية والحيوانية للانقراض في تلك المناطق. وخير مثال لذلك انقراض بقر المها العربي. وقد استخدمت الدول العربية في الماضي ما كان يطلق عليه «نظام الحمى» أو «أراضي الحمى» وذلك بغرض حماية مراعيها الطبيعية وتحسينها.
وعلى رغم الجهود المبذولة على مستوى الدول العربية واتخاذ الكثير من التدابير لحماية وتأهيل وإدارة وتحسين المراعي الطبيعية بها، فإن الأمر يتطلب جهداً مشتركاً ومزيداً من التعاون والتنسق بين تلك الدول ولاسيما في مجالات تنفيذ البرامج والمشروعات المشتركة والاهتمام بتطوير المؤسسات وبناء القدرات وتأهيل الكوادر العاملة في مجالات بحوث وإدارة وتنمية المراعي الطبيعية في منطقتنا العربية.
ولقد عملت المنظمة العربية للتنمية الزراعية بالتعاون المباشر مع الدول الأعضاء ومن خلال علاقاتها مع غيرها من المنظمات ومراكز البحوث الدولية والإقليمية على تقديم الاستشارة والدعم التقني والمؤسسي وبناء القدرات لدول المنطقة العربية في مجالات المراعي الطبيعية المختلفة، كما ساهمت المنظمة في إعداد المسوحات الرعوية وتقدير الإنتاجية في بيئات مختلفة للمراعي الطبيعية في الوطن العربي، كما قامت بتنفيذ برامج ومشروعات مثلت المراعي فيها نشاطاً رئيسياً ومهماً كما في بعض البلاد العربية، هذا بالإضافة إلى برنامج التدريب القومي في مجالات الغابات والمراعي والتنوع الحيوي من خلال المعهد العربي للغابات والمراعي باللاذقية والذي يخرج سنوياً نحو 40 متدرباً في التخصصات الثلاثة والمتمثلة في الغابات والمراعي والتنوع الحيوي.
وفي هذه المناسبة الطيبة فإن المنظمة تثمن غالياً التعاون بينها وبين وزارات الزراعة العربية ومراكز البحوث الزراعية العربية ومؤسسات التمويل العربية والإقليمية والدولية والقطاع الخاص في المجالات المتعلقة بتنمية وإدارة المراعي لحماية البيئة وزيادة الإنتاج في وطننا العربي الكبير خدمة لأهداف التنمية الزراعية المستدامة في المنطقة.
المدير العام للمنظمة العربية للتنمية الزراعية. والكلمة بمناسبة يوم الزراعة العربية (27/9/2004)
العدد 752 - الأحد 26 سبتمبر 2004م الموافق 11 شعبان 1425هـ