ينتظر اللبنانيون تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بشأن تطبيق القرار الدولي 1559 الذي يفترض أن يقدمه إلى مجلس الأمن في نهاية 2 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
ستة أيام تفصل بين الانتظار وصدور التقرير وترجح المراجع الدبلوماسية أن يتضمن فقرات تثمن تلك الخطوات الإيجابية التي اتخذت في الأسابيع الثلاثة الأخيرة، الأمر الذي يعني احتمال تأجيل اتخاذ بعض القرارات الصارمة إلى نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. فالولايات المتحدة مدعومة من دول مجلس الأمن تحتاج إلى فرصة للتنفس في وقت اشتدت فيه حمى الانتخابات الرئاسية. وفي فترة الانتخابات تميل إدارات واشنطن إلى التهدئة وتتخوف من التصعيد. كذلك من مصلحة البيت الأبيض انتظار التحولات الجارية على الأرض من دون تدخل مباشر منه وخصوصاً أن الملف اللبناني يأتي في درجة أهميته بعد الملفين العراقي والفلسطيني. كل هذه الاحتمالات ترجح تأجيل اتخاذ قرارات قاسية ضد لبنان في الفترة القريبة وبالتالي تفضل واشنطن ترك المسألة الآن حتى لا تتورط في جبهة يمكن تجنب فتحها.
لبنانياً، تحركت الدولة بسرعة مدركة أن نقاط القرار أكبر بكثير من مسألة رئاسة أو التمديد ويمكن استغلالها لاغراض شتى تمس أمن البلاد وسيادتها. لذلك اقدمت الدولة على سلسلة خطوات لاحتواء السلبيات والتقليل بقدر الإمكان من النتائج المفترضة في حال ضغطت تل ابيب للاستفادة من القرار.
التحركات اللبنانية كانت واسعة وشملت قطاعات مختلفة من دبلوماسية وسياسية وإدارية. فالدولة تحركت على مستوى الأمم المتحدة ومجلس الأمن واجرت اتصالات بالدول الكبرى ومختلف الدول العربية والإسلامية المعنية بالشأن اللبناني. كذلك تحركت على الصعيد الداخلي للحد من ردود الفعل المتشنجة التي صدرت عن المعارضة والموالاة. فالدولة مالت نحو إعادة ترسيم المواقف السياسية الداخلية لضبط خطوط التوتر بين دعاة التمديد وتيار المقاطعة.
التحرك الرسمي حاول توضيح تلاوين المواقف وعدم الاكتفاء بفرزها إلى لونين. فالثنائية في هذا المعنى سياسة سيئة وتخلط الأوراق بأسلوب بشع لا يفيد الوحدة اللبنانية التي هي ضرورية الآن لمواجهة الضغوط الخارجية.
الخروج على تبسيط المواقف وفرزها إلى ثنائيات كان من الخطوات الضرورية للحد من التوتر والاستنفار السياسي الذي انتظم بقوة بعد لحظات من صدور القرار الدولي وتصويت مجلس النواب على التمديد. فالمواقف التبسيطية ربطت مسبقاً بين التمديد والمقاومة معتبرة أن من يدعم التمديد يدعم المقاومة ومن يخالفه يخالف المقاومة. كذلك ربطت الثنائيات بين التمديد والوجود السوري معتبرة أن من يرفض التمديد يرفض الوجود السوري ومن يدعمه يدعم سورية.
مسألة التمديد أو عدمه وضعت في سياقات خاطئة وسلبية داخلياً بينما الموضوع يتجاوز هذه النقطة إلى نقاط أخطر. فتبسيط الخلافات إلى ثنائيات (مع أو ضد) اخرج المسألة من سياقها الموضوعي ووضعها في زاوية التشنج. فليس كل من عارض التمديد يعارض المقاومة. كذلك ليس بالضرورة أن تكون هناك صلة مباشرة وسببية بين رفض التمديد ومعارضة الوجود السوري والتنسيق الاستراتيجي بين البلدين. كذلك ليس كل من أيد التمديد يؤيد آلياً المقاومة وسورية. المسألة معقدة وليست مبسطة. فالتبسيط خطر لأنه يؤسس لثنائيات غير موجودة على الأرض ويعرض فعلاً المقاومة إلى خطر ميداني ويجيش المشاعر ضد سورية.
الخطر الذي احدثته المواقف الثنائية التبسيطية نبه الكثير من الجهات الواعية والعاقلة إلى إدراك تلاوين الاتجاهات وتداخلها واختلاف الآراء وتعددها في الصف الواحد.
الآن، كما تبدو الصورة من بعيد، هدأت النفوس وخفت التشنجات وظهرت على السطح بوادر مبادرات لتجسير المواقف ووصل ما انقطع انطلاقاً من سياسة إعادة التفكير الموضوعي بالمسألة. فالموضوع ليس بسيطاً وتبسيطه اساء للكثيرين وخصوصاً الأطراف التي تقف مع سورية في مواجهة الضغوط الأميركية.
إعادة التفكير بالوقائع الجارية على الأرض وفي الأطر الدبلوماسية وما يتوقع أن ينتج مستقبلاً عن القرار 1559 تفرض على أطراف المعادلة اللبنانية النظر في توضيح صورة المواقف وتجسير العلاقات بين أصحاب المصلحة المشتركة. وهذا لا يتم إلا بعد كسر الثنائية وتجاوز النظرة التبسيطية التي تميل دائماً إلى تنميط السلوكيات من دون قراءة دقيقة للاختلافات الموجودة في الصف الواحد.
توحيد الجبهة اللبنانية الداخلية مهم لمواجهة ما هو أهم واخطر وفي طليعة ذلك انتظار نتائج التقرير التي سيدلي بها كوفي عنان في 2 أكتوبر
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 752 - الأحد 26 سبتمبر 2004م الموافق 11 شعبان 1425هـ