الورشة التي رأسها سمو ولي العهد يوم الخميس الماضي (23 سبتمبر/ أيلول الجاري) حركت الحوار الجاد من مختلف الاتجاهات. وعلينا أن نعود إلى جوهر الحديث لكي لا تضيع الأفكار الاستراتيجية عن «حزمة الحلول» المقترحة لاحتواء مشكلة البطالة ورفع مستوى المعيشة للأسرة البحرينية، والأفكار التي طرحت الأسبوع الماضي استعرضت برنامج زمني يشير إلى تنفيذ تدريبي يكتمل العام 2009.
الصورة المطروحة هي أن تنفيذ «حزمة الحلول» سيقتل سوق «الفري فيزا»، وسيرفع كلفة الأجنبي من خلال الرسوم الاضافية التي سيتم فرضها على كل مؤسسة أو شخص يوظف أجنبياً. وفي الوقت الذي ستتم فيه زيادة الكلفة لاستخدام الأجنبي سيتم إنشاء «صندوق العمل» لتسلم الرسوم التي سيتم فرضها والتي ستستخدم لتدريب البحرينيين ودفع معاشات للباحثين عن عمل في الفترات التي يتدربون فيها ويسعون للحصول على عمل مناسب لهم.
طرحت أسئلة وأجوبة كثيرة اثناء الورشة. فأصحاب الأعمال يخشون خسارة موظفيهم الاجانب إذا لم يحصلوا على بدائل بحرينية، وربما تزداد الأسعار ويصبح من الصعب عليهم منافسة دول الجوار. كما أنهم يخشون منافسة الهيئات الرسمية لهم في وقت لم تكتمل جميع الإجراءات والضوابط لتنظيم اقتصاد السوق بشكل متكامل.
من الجانب الآخر، طُرحت أسئلة كثيرة على المشاركين، من بينها سؤال عن مدى التفات البحرينيين إلى احتمال أن الطريق الحالية لن توصلهم إلى ما يودون الوصول اليه، بل انها - وبهذا الوضع - ربما ستجلب لهم كوارث سياسية واقتصادية. فالقطاع العام تشبع من البحرينيين والاتجاه الآن نحو تقليص القطاع مع ازدياد حركة الخصخصة، وفي الوقت ذاته فإن القطاع الخاص هو الوحيد الذي يوظف ويتوسع في التوظيف. غير أن الاجانب هم الذين يتم توظيفهم في القطاع الخاص بنسبة تصل إلى قرابة 70 في المئة. ويوظَّف أكثر هؤلاء الاجانب في أعمال غير ماهرة بمعاشات متدنية جداً، وهؤلاء إذا حصلوا على معاش قدره سبعون ديناراً شهرياً فهو أفضل بكثير من المعاش الذي سيحصلون عليه في بلدانهم (قرابة 20 ديناراً شهرياً)، ولكن السبعين ديناراً لا تكفي البحريني لأسبوع واحد، فكيف ستكفيه لشهر.
المشكلة إذاً، ان النموذج الاقتصادي الحالي يعتمد على وظائف غالبيتها من الأعمال قليلة المهارة، وهذا يعني ان المواطن البحريني مطلوب منه أن يكون من أصحاب المهارات القليلة، ومطلوب منه أن يقبل بمعاش مماثل للمعاش الذي يحصل عليه الأجنبي القادم من البلدان الفقيرة، ومطلوب منه أن يكدس نفسه وعائلته في غرف سكنية لا تناسب حتى الحيوانات كما هي حال العمال الاجانب، ومطلوب منه أن يعمل دائماً وأبداً لصاحب العمل من دون حقوق كما هي حال العامل الأجنبي وإلا فإن الخيار أمامه: إما ان يبقى عاطلاً أو يقبل بمعاش شهري أقل مما كان يحصل عليه البحريني قبل عشر سنوات.
هذه الصورة القاتمة تفرض علينا جميعاً أن نفكر في المخرج المقترح، وأن نطرح وجهات النظر، سواء كانت مؤيدة أو متحفظة على «حزمة الحلول»؛ لأنه من دون الصراحة في الطرح لن نستطيع تطبيق العلاج، وقد يفوت الأوان
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 752 - الأحد 26 سبتمبر 2004م الموافق 11 شعبان 1425هـ