طالبني عدد من أهل الحد التي أقيم فيها بالحديث عن المأساة التي أصبحوا يعانون منها هذه الأيام. فعلى أوراق الصحف حالياً نتابع حال الشد والجذب التي يمارسها البلديان مبارك جنيد، وسمير خادم من أجل منع تمرير قرار بالموافقة على إنشاء مسلخ للماشية في الحد يناقشه مجلس المحرق البلدي.
هناك مأساة وصل إليها الحال في هذه المنطقة التاريخية التي اشتهرت بكبار «نواخذة اللؤلؤ وصيد السمك» قديماً في البحرين. فتغيّر الأوضاع في البلاد منذ الاستقلال أدى لأن تكون الحد من أسوأ مناطق البحرين من حيث التدهور البيئي بعد دخول عدة شركات صناعية كبرى إلى منطقتهم.
وفعلاً لا يمكن لأهالي الحد أن يوقفوا تطور البلد، ومعالم الحداثة التي جلبت إلى البلاد الكثير من المشروعات الصناعية والاستثمارية. ولكن هذا كله كان على حساب صحة المواطن البحريني، وأبناء الحد تحديداً. فإذا كانت وزارة الصحة ترغب في دراسة صحة المواطن فعليها البدء بمنطقة الحد، إذ ستجد ارتفاع نسبة إصابة الشباب بأمراض السرطان، وكذلك أمراض الربو (ضيق التنفس)، ليس هذا فقط، وإنما هناك أمراض أخرى راح ضحيتها العشرات من أبناء الحد. وعلى رغم وجود عدة أسباب لتفشي هذه الأمراض، فإن التدهور البيئي الذي تعيشه المنطقة يعد أحد أسبابها.
من الناحية التاريخية جاء التدهور بعد سياسة دفن البحر التي انتهجتها الحكومة منذ السبعينات، فمنذ تلك الفترة بدأت جغرافية الحد في التغير مع دفن شريط بري في البحر لشركة (أسري) في البداية، ولكن سرعان ما أصبح هذا الشريط نواة لعدة مشروعات صناعية أخرى دمرت بيئة الحد على مدى ثلاثة عقود. وراح البحر الذي كان يعتمد عليه أهالي الحد في كسب قوت يومهم. فدفن البحر لمشروعات صناعية كان أولى من صحتهم وصحة أبنائهم وأحفادهم مستقبلاً. وتمت إزالة (حظور السمك) وحصل أصحابها على تعويض غير عادل، ولكنهم لم يبدوا امتعاضهم واحتجاجهم بشكل علني أبداً. وفي الوقت الراهن، فإن الحد تشهد عدة مشروعات بدأت بعد إنشاء محطة توليد الكهرباء الضخمة بسمومها التي يتنفسها الأهالي لحظة بأخرى. وبدأ العمل بإنشاء المشروعات التي ستكون ضمن المنطقة الصناعية والميناء الجديدين. وطبعاً لا يمكن لأحد أن يوقف هذه المشروعات لأن اقتصاد الدولة سيعتمد عليها كثيراً خلال السنوات القليلة المقبلة.
وإزاء هذا كله لم يبد أحدٌ من أهل الحد معارضته لهذه المشروعات مادامت في خدمة الوطن. ولم يتحرك أي من النائب البرلماني، أو عضوي المجلس البلدي لإبداء مجرد موقف تجاه ما يجري حول أضلاع الحد الثلاثة، بحيث يعبر عن مواقف أهالي الحد وآرائهم. بالتأكيد فإن ما حدث في الماضي من أخطاء تاريخية، ومشروعات مازالت قائمة تضخ الملايين للاقتصاد الوطني لا يمكن إيقافها. ولكن باعتقادي هناك ضريبة اجتماعية يجب أن تدفعها الشركات والمصانع المستفيدة من مشروعاتها التي أقامتها على أراضي الحد، وسببت تلوث البيئة البحرية وأجواء الحد الطبيعية التي كانت خالية من التلوث. فأهالي الحد اليوم هم المتضرر الأكبر من جميع هذه المشروعات، في حين تجني الشركات والمصانع الملايين سنوياً ولا تكترث بأهالي المنطقة. هذه الضريبة الاجتماعية تحتم على ثلاثة أطراف: الحكومة، وأهالي الحد، وممثليها في المجلس الوطني والبلدي، سرعة التحرك من أجل إيقاف تدهور البيئة وإضرار المنطقة عن طريق:
- زيادة التشريعات والإجراءات لضمان التقليل من التلوث.
- مطالبة الشركات والمصانع في المنطقة بتخصيص نسبة ثابتة سنوياً من أرباحها لإقامة مشروعات تخدم أهالي المنطقة، مثل إنشاء مركز صحي، أوتشييد مرافق النادي، أو إنشاء مكتبة عامة جديدة، أو إنشاء مدرسة ثانوية جديدة للبنين، أو حتى توظيف أبناء المنطقة العاطلين عن العمل في هذه الشركات والمصانع، أو تقديم بعثات طلابية ومساعدات مالية للفقراء من أهالي الحد.
قد تبدو مثل هذه المطالب بعيدة المنال للغاية حالياً، ولكنها بالعمل والإصرار على المطالبة بالإمكان أن تتحقق، فهذا حق مشروع يجب المطالبة به الآن من أجل أجيال الحد في المستقبل
العدد 751 - السبت 25 سبتمبر 2004م الموافق 10 شعبان 1425هـ