أسئلة كثيرة تحتاج إلى قراءة وهي في غالبيتها تتعلق بالموقف الأميركي من مجموع قضايا طرحت حديثاً على أكثر من صعيد. الأسئلة تشير إلى مواقف غامضة تنتظر معلومات لتوضيح صورتها ومعانيها ومقاصدها.
بانتظار أن تنقشع الغيوم هناك سؤال يتعلق بالموقف الأميركي من مسألة نزع السلاح النووي في منطقة «الشرق الأوسط» أو ما تسميه «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» بجعل منطقة «الشرق الأوسط» خالية من السلاح النووي.
هذا الموضوع كان نقطة تجاذب سلبية بين الولايات المتحدة ودول «الشرق الأوسط». فالدول العربية والإسلامية وافقت على مبدأ النزع أو المنع ولكنها اشترطت أن يشمل هذا المبدأ الدولة العبرية. واشنطن في هذا المجال لجأت إلى الغموض وأحياناً الاحتيال على الواقع، متجاهلة ما اعتبرته «الوكالة الدولية» من الممنوعات. و «إسرائيل» دائماً تعتبر نفسها مسألة خاصة، وباسم «الخاص» اعتبرت نموذجها لا ينطبق عليه ما ينطبق على غيرها. فهي دولة فوق «الشرق الأوسط» وعلى دول المنطقة أن تخضع لمنطقها الخاص.
هذه «الخصوصية» طرحت مجدداً على المؤسسات الدولية في مناسبة الحديث عن برنامج إيران لانتاج الطاقة. وللمرة الأولى توافق «إسرائيل» بعد عناد طويل على مبدأ استعدادها للتخلي عن مشروعها مشترطة إرجاء المسألة إلى السنة المقبلة لأخذ القرار النهائي بهذا الشأن.
والسؤال: لماذا يجب على المنطقة أن تنتظر سنة أخرى في وقت تضغط «الوكالة الدولية» بتوافق أميركي - أوروبي - روسي على طهران للتجاوب مع المهلة الزمنية التي أعطيت لها وتنتهي في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل؟ لماذا سنة إضافية؟ هل تريد تل أبيب معرفة التطورات وما الذي ستسفر عنه الضغوط أم انها فعلاً بصدد إعادة النظر في مواقفها السلبية والقبول بما قبلت به الدول الأخرى؟
يرجح أن تل أبيب لاتزال على موقفها ولكنها أرادت من هذه المناورة كسب الوقت ومراقبة مدى نجاح الضغوط على إيران. فالمنطق هو أن يُنزع السلاح من تل أبيب لأنها الجهة الوحيدة التي تملكه والمنطق يتطلب أيضاً أن تُطبق الشروط الدولية على كل الدول من دون استثناء حتى لا تستفيد «إسرائيل» من ذاك السكوت وتأخذ في ابتزاز دول المنطقة. هذا السؤال يتعلق جوابه النهائي بالموقف الأميركي المراوغ، ويمكن أن نفتحه على مواقف أخرى تتعلق أيضاً بـ «الشرق الأوسط».
تصريح وزير الدفاع دونالد رامسفيلد أمام رئيس الحكومة العراقي المعين إياد علاوي يطرح علامة استفهام عن القصد منه. ماذا يريد رامسفيلد من قوله حين صرح أن أميركا تفكر بسحب قواتها قبل أن يستقر وضع العراق. هذا الكلام الغامض يثير جملة أسئلة عن آفاق التفكير الاستراتيجي الأميركي في المنطقة. فوزير الدفاع اكتشف فجأة حزمة من الحقائق المنسية في حفل استقبال علاوي من نوع أن هذا البلد (العراق) لم يكن يوماً يعمه السلام أو مثالياً و«من غير المرجح أن يكون كذلك».
هذا التصريح يمكن قراءة تداعياته السياسية على أكثر من مستوى. فهل هو مناورة دبلوماسية لتخفيف الضغط الانتخابي على الحزب الجمهوري؟ هل هو ضربة تستبق توقعات من نوع انفجار الوضع السياسي الداخلي وتريد واشنطن المغادرة حتى لا تتهم به، أم أن غاية أميركا تفجير الوضع وترك بلاد الرافدين تتضارب داخلياً وتستدرج القوى الإقليمية إلى منطقة فراغ أمني؟
رامسفيلد حاول القول إن الحكومة المعينة بدأت تستعيد زمام المبادرة الأمنية وإنها دربت مئة ألف شرطي وإن العدد يتضاعف. إلا ان التوضيح أثار المزيد من الغموض لأنه يخالف تصريحاته السابقة ويعارض كل الكلام عن «الديمقراطية» و«النموذج الجديد». فالمسألة كانت سياسية وتحولت الآن إلى أمنية.
ماذا نفهم من هذا الكلام المتناقض سواء على مستوى «إسرائيل» وبرنامجها النووي، أو على مستوى إيران وملفها النووي، أو على مستوى العراق ومشروعه الأمني (أو الديمقراطي)؟ الأجوبة قاصرة لأنها لا تملك المعلومات وتنتظر بعض الوقت لانقشاع الغيوم. ولكن المنطق يشير إلى أن السياسة الأميركية غير واضحة في تفصيلاتها على رغم وضوح معالمها الاستراتيجية العامة. فالإدارة تتخبط، وكلما اقترب موعد الانتخابات ازدادت المواقف غموضاً. فربما تكون التصريحات المتناقضة مقصودة لارباك المنطقة وشراء الوقت، ولكنها في النهاية تدل على أن أميركا دولة غير متفقة داخلياً على رسم سياستها الخارجية. وحين تتخبط دولة كبرى في مواقفها فمعنى ذلك أن المنطقة مقبلة على فترة عدم استقرار سواء انسحبت القوات الأميركية أو لم تنسحب وسواء نزعت «إسرائيل» سلاحها النووي أو لم تنزعه. فربما تكون تلك المواقف نزهة للتفكير قبل أن تهب العاصفة
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 751 - السبت 25 سبتمبر 2004م الموافق 10 شعبان 1425هـ