كيف ومن يصدر الفتوى الدينية، وكيف ومن يصدر الفتوى السياسية؟ الأصعب من ذلك من له الحق في تفسير الدعاء الديني الموروث من التراث الاسلامي منذ مئات السنين ليسقطه على الواقع وكأن الحديث نزل من خلال الوحي الذي لا يرد ولا يستبدل؟
أسئلة ملحة يجب الاجابة عليها لكي لايؤخذ الناس بجرم من يصدر الفتاوى العشوائية والتفسيرات النارية التي قد تأتي أعمدة لهبها على من يردد دعاءً معيناً فيعتقد البعض ان المقصود منه هذا الشخص أو ذاك.
لا أحتاج الى اللف والدوران، فلقد صعقت وأنا استمع الى ما حدث في ندوة «الفقر» مساء أمس الاول عندما فسر الدعاء الذي يُرَدَّد أحياناً في المساجد، وجاء في التفسير ان الناس تردد الدعاء وهي تقصد امرا سياسيا محددا.
لقد خيبتم ظننا... من الذي يفسر ومن الذي له الحق في التفسير؟ فهذا التفسير الديني - السياسي له تبعاته، ولذلك لا يحق لأي شخص ليست له درجة فقهية اصدار الفتاوى او التفسيرات التي لا تفيد أحداً، لأنها غير صحيحة من جانب، ولأن لها تبعات قد تطال من ليست له علاقة بالامر من قريب أو بعيد.
وبما ان الدعاء الذي ذكر في الندوة يتردد في المساجد التي يرتادها المسلمون الشيعة، فلنا أن نسأل: أي فقيه في البحرين قال بهذا التفسير؟ فلدينا حاليا عدة فقهاء حاصلين على درجة عالية في الفقه او الاجتهاد، فأي واحد منهم قال ذلك- بصورة علنية أو سرية؟ حسب علمي، ليس هناك فقيه واحد قال بذلك. ثم، وبما ان التفسير ديني - سياسي، فإن الدائرة تصبح أكثر ضيقاً. وفي هذه الحال ستتجه الانظار الى الاتجاه السياسي - الديني الذي انتفض في تسعينات القرن الماضي، وهذا الاتجاه له معالم ورمزية واضحة، والذي يتحدث باسم هذا التيار ليس أي شخص، ولم يكن الامر كذلك في أي وقت من الاوقات. نعم هناك شباب متحمس، وهناك تمييز، وهناك فقر وهناك بطالة، ولكن ايضا هناك علماء دين وهناك عقول وهناك من يثق به الناس ليتحدث باسمهم وهو مستشعر للمسئولية.
قبل ندوة الفقر، كنا نسمع عن اسماء لبعض الاشخاص الذين لا علم لأحد بما كانوا يقومون به عندما احتاجهم الناس في التسعينات، واذا بهم اصبحوا اليوم أوصياء على الأمة، يكتبون ويتحدثون، وهم أول من سيتبرأ من كل شيء فيما لو احتاجهم الناس مرة أخرى.
اذا كان الأمر بهذا الاسلوب من التعاطي، فالمؤكد ان النتيجة ستكون بالمستوى ذاته، وهذا يرمي بمزيد من الثقل على رموز التيار الذين ينظر اليهم الناس لاستلهام المواقف. ولقد آن الأوان ان تتوضح المسافات وان يعرف الجميع من يتحدث نيابة عن من؟ ومن يمثل من؟
إن أملنا في ان التيار الذي ضحى بالكثير خلال السنوات الماضية، وله رمزيته الدينية الواضحة ان يلتزم برمزيته، المتمثلة أساساً بالأب الروحي للتيار وهو الشيخ عيسى قاسم. فالشيخ عيسى له الاهلية الفقهية والسياسية والتاريخية لأن يصدر تفسيراً لهذا الدعاء او ذاك، خصوصا اذا كانت للتفسير تبعات على الواقع السياسي وعلى الناس الذين عانوا الكثير من كل شيء، ومعاناتهم تزداد اليوم لأن كل شخص أصبح يتحدث باسمهم ويجرهم ذات اليمين وذات الشمال وكأنهم وقود للحرق والاحتراق. آن الأوان لكي يتحرك «سيستاني البحرين» ويحفظ المسيرة، ويوجه التيار الى ما ينفع الجميع، ويتحاور مع أعلى قمة الهرم السياسي.
(ملاحظة: الدعاء المشار اليه ورد على لسان الامام علي (ع) بواسطة احد اركان الفقه الجعفري وهو ابو عبد الله الحارثي البغدادي، المعروف بالشيخ المفيد المتوفي سنة 1022م، اذ جاء في «أمالي المفيد»: كان من دعاء امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) «اللهم اني أعوذ بك أن أعادي لك ولياً، أو أوالي لك عدواً، أو ارضي لك سخطا ابدا. اللهم من صليت عليه فصلواتنا عليه، ومن لعنت عليه فلعنتنا عليه. اللهم من كان في موته فرج لنا ولجميع المسلمين فأرحنا منه، وأبدل لنا من هو خير لنا منه»)
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 751 - السبت 25 سبتمبر 2004م الموافق 10 شعبان 1425هـ