أن يتعلم المراهق القدرة على الاختيار... فإن معنى ذلك أنه ينمو بأسلوب يتمتع من خلاله بشخصية لها اعتبارها، ولديه قدرة على اتخاذ قراراته.
إلا أن أبحاث العالم النفساني بياجيه تؤكد أن مقدرة الأبناء المراهقين على أن يخططوا لمستقبلهم لا يعني أنهم سيفكرون بطريقة تلقائية بما هو أفضل لهم من قرارات... لأن هذه القدرة لا تعني أن في إمكانهم تعلم المهارات التي يعلمهم إياها آباؤهم ... وهما أمران مختلفان. اذن... هناك خطوة مهمة على الآباء أن يتخذوها مع أبنائهم المراهقين، وهي:
تعليمهم كيف يستخدمون قدراتهم العقلية في حل مشكلاتهم... كما أن عليهم أن يتيحوا لهم الفرص لتطبيقها.
والآباء هنا عليهم أن يعلموا أولادهم طرق التعلم المختلفة مع وضع الخيارات أمامهم لكي يختاروا الأفضل منها... وذلك عن طريق تدريبهم على أساس من الإرشاد... أي أن يسألوهم ويوفروا المعلومات لهم ويشجعوهم على المزيد من الاكتشاف... لمساعدتهم في اختيار أفضل الحلول لمشكلاتهم.
أليس من الأسهل للآباء أن يخبروا أبناءهم ماذا عليهم أن يفعلوا؟ نعم... لكن ذلك سيجعل أبناءهم سلبيين في اتخاذ قراراتهم. ولهذا السبب فإن من الأفضل أن يترك الآباء لأبنائهم الفرصة ليختاروا ما يناسبهم، ثم يتخذوا قراراتهم، أي أن يكتشفوا بأنفسهم ما هو أفضل بالنسبة إليهم.. ومن ثم يتحملون مسئولية ما يختارون... حتى يفكروا في مستقبلهم بطريقتهم الخاصة... فيتعلمون كيف يحلون مشكلاتهم بأنفسهم. ليصبحوا أكثر فاعلية... لأنهم لكي يحلوا تلك الأسئلة عليهم استخدام قدراتهم العقلية ليصلوا إلى النتائج من خلال اختياراتهم... وخصوصاً عندما يوفر الآباء لأبنائهم الثقة بهم والتواصل معهم.
بهاء طالب في الخامسة عشرة من عمره... كان ابناً مسئولاً دائماً... وحريصاً على التقدم في درجاته العلمية.
كان من الواضح على علامات هذا الابن تولعه بمادتي الرياضيات والمواد الاجتماعية... كما أن لديه حباً شديداً لممارسة كرة القدم... وكان قادراً من قبل على ألا تؤثر هوايته هذه على دروسه... لكنهما (والديه) لاحظا في الفترة الأخيرة أنه انشغل بهذه الهواية عن مذاكرة دروسه بشكل جيد... ما أدى إلى تدهور درجاته العلمية.
سأله والده: «هل تدرك يا بهاء أن درجاتك العلمية قد تراجعت في مادتي الرياضيات والمواد الاجتماعية»؟
رد بهاء: أعلم يا أبي... لكنني لم أتصور أنني تراجعت إلى هذا الحد... لكنك تعلم أني أعد نفسي للمباراة النهائية في كرة القدم بين مدرستنا ومدرسة أخرى تنافسنا على الكأس هذا العام.
قال والده: لكن ذلك لا يعني أن تهمل دروسك... هل سيظل التمرين لفترة طويلة؟
أجاب بهاء: نعم. لكني سأحاول يا أبي أن أستعيد درجاتي وأتمرن في الوقت نفسه.
رد والده: وإذا لم تحقق ذلك... أعتقد في هذه الحال... ستحرم من رخصة السياقة التي وعدتك بها.
فكر بهاء... ها هو والده سيحرمه من رخصة السياقة التي طالما حلم بها... لقد بدأ يقلق... عليه أن يتقدم بعلاماته بصورة سريعة.
سأله والده: ماذا ستفعل لكي تطور علاماتك؟
قال بهاء: سأحاول أن أكلم مدرسي تلك المادتين وأحاول الحصول على ما فاتني من محاضرات لكي أذاكر أكثر... كما أني سأقلل من ساعات التمرين وسأجعلها بعد انتهائي من أداء واجباتي المدرسية.
اكتشاف سبل أخرى للاختيار ساعد بهاء على الالتزام بقراراته وتحمل مسئوليتها... لقد تحمل مسئوليات كثيرة ولم يضع في اعتباره كيف سيوازن بينها... لكنه الآن أدرك الأهم ثم المهم منها. واختار سبل تحسين أدائه الدراسي بنفسه.
والدا بهاء مثل كل الآباء، كانا يتمنيان أن يشرحا له ما يجب عليه القيام به ليطور علاماته... لكنهما فضلا أن يختار الحلول بنفسه ثم الالتزام بها... أي أن يتعلم تحمل المسئولية عن قراراته من سن المراهقة فتزداد ثقته بنفسه... وتقوى شخصيته بطريقة إيجابية... وهو ما يريده الآباء لأبنائهم... وما حدث نفسه فيما بعد لبهاء عندما اختار قراراته والتزم بها وتطورت علاماته كما كان والداه يريدان
إقرأ أيضا لـ "سلوى المؤيد"العدد 750 - الجمعة 24 سبتمبر 2004م الموافق 09 شعبان 1425هـ