من يفوز بالانتخابات الأميركية؟ سؤال سابق لأوانه إلا أن ذلك لا يمنع من ترجيح كفة المرشح الجمهوري جورج بوش أو المرشح الديمقراطي جون كيري. فالترجيح دائماً يميل إلى تفضيل هذا على ذاك بنسبة ضئيلة ومعقولة ومدروسة حتى يتقبلها الرأي العام الأميركي وإلا تحولت إلى نوع من الاستخفاف بعقل الناخب.
حتى الآن لم تعلن جهة محددة فوز هذا المرشح على الآخر. فدائماً تلجأ مؤسسات الاستطلاع التابعة لجهات محايدة أو منحازة أو ممولة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي إلى وضع نسبة معينة لهامش الخطأ. والنسبة قانونياً لا تتجاوز 3 أو 4 في المئة من الاستطلاع، وهذا ما تسمح به المحاكم الأميركية. الخطأ مسموح شرط ألا يتجاوز هامش 5 في المئة.
مؤسسات الاستطلاع في الولايات المتحدة (الامبريالية) تحترم نفسها وتحرص على صدقية نتائجها وتخاف على سمعتها خوفاً من انقلاب «السحر على الساحر» في حال بالغت في نسبة هامش الخطأ، وأوصلته إلى درجة خرافية تثير الشفقة. فمثلاً لا يمكن أن تبالغ مؤسسة استطلاع - مهما كانت منحازة إلى بوش أو ممولة من الحزب الجمهوري - فترفع النسبة إلى درجة لا يصدقها الجمهور. فالمؤسسة تعلم أنها مهما تعاطفت مع الفيل (شعار الحزب الجمهوري) فإن الفيل في النهاية لا يستطيع أن يطير.
مؤسسات الاستطلاع في أميركا تحترم نفسها لأنها أساساً تحترم جمهورها، وتتجنب خداعه خوفاً من اتهامها بنشر «ثقافة الغش». فالغش ممنوع في «الدول الديمقراطية» لأن المبالغة في نشر مثل هذه الثقافة يؤدي في النهاية بالمؤسسة المعنية إلى جرجرتها إلى المحاكم، وكشف ملفاتها المالية ولمصلحة من تعمل؟ وخوفاً من الذهاب إلى المحكمة تعمد كل مؤسسة استطلاع إلى وضع الإجراءات التي اتخذتها والمعايير التي اعتمدتها والتوقيت الذي اختارته والمناطق التي أجرت فيها استطلاعها حتى توصلت إلى هذه الأرقام والجداول والنتائج.
توضيح الإجراءات والمعايير والأمكنة وغيرها من وسائل لها علاقة بالأسئلة التي وُجهت وكيف طُرحت، مهمة لإقناع الناخب أو الجمهور أو القارئ بصدقية الاستطلاع وصحته. أما إذا أقدمت المؤسسة على نشر النتائج والأرقام والجداول من دون إشارة إلى كل تلك الإجراءات والمعايير، وتعاملت معها كحقيقة مطلقة ونهائية فإن ردة الفعل ستكون سلبية وستزيد الشكوك وسترتد عليها. ففي «الدول الديمقراطية» يعتبر تزوير الرأي العام جريمة يعاقب عليها القانون وتهمة لا تقل خطورة عن تزوير العملات. فتزوير النقد يهدد الثقة بالاقتصاد وتزوير الرأي يزعزع الثقة بالدولة وحرية التنافس الشريف.
مثلاً إذا أقدمت مؤسسة استطلاع منحازة وممولة من قبل الحزب الديمقراطي على إجراء استفتاء قالت في نهايته إن كل 3 من 4 ناخبين يؤيدون كيري والناخب الرابع ضائع أو محتار في اختياراته بين بوش ورالف نادر وربما الرئيس المكسيكي أو الفنزويلي أو فيدل كاسترو أو رئيس الحكومة الكندية فإنها يجب أن تثبت كلامها وإلا تحولت المسألة إلى مهزلة وربما ترفع ضدها قضية في المحكمة.
هذا لا يمنع المؤسسة من أن تقول إن كل 3 ناخبين من أصل 4 يريدون التصويت لكيري، ولكن عليها أن تقول ما هي الإجراءات والمعايير التي اتبعتها حتى توصلت إلى هذه النتيجة. وكما نعلم فإن هناك ولايات أميركية مؤيدة تقليدياً للحزب الجمهوري وهناك ولايات مؤيدة للديمقراطي. وإذا كان الاستطلاع أجري في ولايات معينة واستبعدت أخرى فإن النتيجة تكون كاذبة لأن المقدمة كاذبة.
إضافة إلى الإجراءات والمعايير والمناطق وأسلوب طرح السؤال والجهة (الممولة) المكلفة بالاستطلاع هناك مسألة التوقيت. التوقيت مهم لفحص دقة المعلومات. مثلاً حين عقد الديمقراطي مؤتمره العام قفز التأييد لكيري ومالت الترجيحات لمصلحته بنسبة 3 إلى 4 في المئة من الأصوات. وبعد أقل من شهر عقد الجمهوري مؤتمره فتراجعت نسبة المؤيدين لكيري لترتفع لمصلحة بوش بنسبة تراوحت بين 7 و11 في المئة.
التوقيت إذاً مسألة مهمة لذلك نلاحظ أن مؤسسات الاستطلاع تحدد الأسبوع أو الفترة التي جرى فيها قياس الرأي العام وتضع ملاحظة إضافية وهي أن هذه النسبة معرضة لهامش من الخطأ وأنها ربما تكون تغيرت هذا الأسبوع. ولهذا السبب تحرص كل المؤسسات التي تحترم نفسها وتخاف على سمعتها على القول «في حال جرت الانتخابات الرئاسية الأسبوع الجاري ستكون النتائج المتوقعة كالآتي»، وتبدأ بنشر الجداول والأرقام. والسبب واضح وهو احتمال تغير النسبة في الأسبوع المقبل.
من يفوز بالانتخابات الأميركية؟ حتى الآن ترجح مؤسسات الاستطلاع بوش، ولكن إعلان فوزه يحتاج إلى أكثر من شهر ليتحول الاحتمال إلى واقع
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 748 - الأربعاء 22 سبتمبر 2004م الموافق 07 شعبان 1425هـ