بعض الاختصاصيين البحرينيين تحالف مع بعض أعضاء مجلس الشورى لإعداد مقترح قانون لانشاء «مجلس البحرين الطبي»، وعندما اتصل بي احد منظمي الندوة التي عقدت مساء أمس للتحدث في الندوة تذكرت عدة أمور دفعتني إلى الاستجابة.
في بريطانيا كان الحديث يدور دائما حول «المجلس الطبي العام» الذي من اختصاصاته تسجيل اسماء الاطباء المرخص لهم بممارسة المهنة، ووضع ضوابط للتعليم الطبي، وتسلم شكاوى الناس عن الاطباء ومن ثم اتخاذ الاجراء المناسب، وأسوأ شيء للطبيب المشتكى عليه هو ان يزال اسمه من السجل فيصبح منبوذا حتى مماته ومحروما من المهنة.
وقبل عدة سنوات حدث ان تم اعتقال طبيب بريطاني اسمه «هارولد شيبمان» تخصص في قتل النساء واخفاء دليل القتل، او تزوير شهادة الوفاة. القاء القبض على الطبيب ومحاكمته ومن ثم الحكم عليه بالمؤبد هز المجتمع البريطاني، وخصوصا عندما قال القاضي اثناء اصدار الحكم ان القضاء ثبت التهمة عليه بشأن قتل 15 إمرأة، ولكن الشواهد تشير الى ان الطبيب قتل أكثر من مئتي امرأة منذ الستينات وحتى التسعينات من القرن الماضي عندما القي القبض عليه (انتحر داخل السجن في يناير / كانون الثاني الماضي).
الهزة كانت حقيقية، اذ كيف استطاع طبيب القيام بمثل هذا العمل في بلد مثل بريطانيا، وهو ما ادى الى تعزيز فكرة لإعادة ثقة الناس العاديين بالاطباء، وذلك من خلال تخصيص 25 في المئة من مقاعد المجلس الطبي لاشخاص من عامة الشعب. وهذا المجلس الذي يتكون من شخصيات طبية كبرى في بريطانيا عليه ان يدير شئونه وبينه اكثر أشخاص لا يفهمون مهنة الطب ولكنهم يعرفون مشكلات الناس مع الطب، وهؤلاء لهم صوت مساو لأصوات الآخرين.
المشكلة ان هناك عدداً من الاختصاصات يمكن لأصحابها ان يفعلوا ما يشاؤون من دون رادع (عندما يقرر بعضهم ان يصبح شريرا). ومن تلك الاختصاصات الخطيرة هي رجل الدين (مازالت ايرلندا تعيش الدهشة من اكتشاف ما كان يعمله بعض رجال الدين من اعتداءات جنسية على الاطفال والنساء الذين احتاجوا لمساعدتهم) ، المحامي (وفي عدة أماكن ومنها البحرين، فان المحامي يستطيع فعل ما يشاء لانه يعرف القانون وكيف يتحايل عليه)، والطبيب ... الطبيب مؤتمن على حياة الناس وصحتهم، ويستطيع ان يقتل الناس، او ان يزيدهم سوءا، او ألا يعالجهم ولكن يأخذ اموالهم، وعملية اصطياد مثل هؤلاء الناس صعبة جدا.
ولذلك فمهمة المجلس الطبي في البلاد المتقدمة هي توفير قدر من الضمان للناس العاديين بعدم اساءة التصرف او استغلال الاطباء لمهنتهم. تنظيم مهنة الطب لها متطلباتها الاختصاصية ولا يفهمه الا الاختصاصيون، ولكن الناس تعرف ايضا اذا كانت تحصل على خدمة طبية صحيحة، لانها تتعافى، او تمرض، او تموت. والتحقيق في القضايا المشتبه فيها يكشف غير الكفوئين كما يكشف الاشرار الذين يجب منعهم من مزاولة المهنة او تعديل الاوضاع بحيث ترتقي المهنة الى أفضل المستويات المقدور عليها في هذا البلد او ذاك.
اننا بحاجة الى ان نشرك الناس العاديين في تنظيم المهن الخطيرة - ضمن مجال محدود - للتأكد من ان شكاوى الناس تصل الى من بيدهم القرار. واذا اقتنع 25 في المئة من مجلس الطب الذين يختارون من غير الاطباء فان ذلك يعطي الثقة للناس الآخرين في المهنة ايضا.
المجلس الطبي ليس بديلاً عن النقابة، وليس تابع للحكومة، وإنما هو هيئة وسيطة بين الدولة (ممثلة في وزارة الصحة) والمجتمع (ممثلة في الناس)، والنقابة (حالياً جمعية الأطباء) لها دور في المجلس فيما يتعلق بتنظيم المهنة. أما رئاسة المجلس، فما دام الشخص الذي يستلم المهمة معروف بقدراته واستقلاليته، فإنه لامانع إن كان معيناً (بعد استشارة المعنيين) أو منتخباً بطريقة ما
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 748 - الأربعاء 22 سبتمبر 2004م الموافق 07 شعبان 1425هـ