خلال فترة الاحتجاج السياسي في النصف الثاني من عقد التسعينات الماضي شهدت البلاد ركوداً اقتصادياً كبيراً، رافقتها عدة ظواهر متباينة التأثير على المجتمع البحريني. فقد ارتفعت معدلات البطالة في تلك الفترة، وهو ما دفع الحكومة إلى اتباع سياسة البحرنة في مؤسسات القطاع الخاص، كما تراجعت معدلات الاستثمار في البحرين.
واليوم مع بدء مرحلة الإصلاح السياسي فإننا أمام تحديات خطيرة يواجهها المجتمع، إذ تقدر معدلات البطالة بين 16 - 20 ألف مواطن، وحسب دراسة ماكينزي المهمة، والتي أُعلن عنها في ديسمبر/ كانون الأول الماضي ستشهد البلاد بطالة واسعة النطاق تقدر بمئة ألف مواطن بعد عقد من الآن، إذا استمر النظام الاقتصادي على ما هو عليه اليوم من آليات وحركة وتشريعات وإجراءات ونظم مختلفة تتبعها مؤسسات القطاعين العام والخاص. وهذا الوضع المتفاقم يحتم على المجتمع برمته البحث عن مخارج وبدائل لتفادي الأزمة الاقتصادية المتوقعة بعد عشر سنوات، عندما تكون نسبة البطالة هي أكثر ما تكون في المجتمع البحريني تاريخياً بحسب التقديرات.
من الناحية النظرية فإن علماء السياسة يرون أن الإصلاح السياسي يجب أن يصاحبه عادة إصلاح اقتصادي لضمان التوزان داخل المجتمع إذا كان ينشد التطوير. وبالتالي فإن أية عملية إصلاح يجب أن يواكبها حال من الإصلاح الاقتصادي تطبق تدريجياً وفق خطوات مدروسة بدقة. والمحصلة في النهاية ليس الحصول على تنمية اقتصادية، ومعالجة المشكلات والأوضاع الاقتصادية المتردية فحسب، وإنما هناك قضية أهم من ذلك، وهي صدقية مشروع الإصلاح السياسي، وثقة المواطنين به.
وبالتطبيق على البحرين، فإننا سنجد أن النظام شهد إصلاحات سياسية كبيرة في فترة قياسية، ولكنه بالمقابل لم يشهد تطوراً من الناحية الاقتصادية، فمازالت نسب البطالة مرتفعة، ومازالت الأجور متدنية ولا تناسب المستوى المعيشي الذي وصلت إليه البلاد، الأمر الذي ضاعف من استخدام المواطنين للقروض الشخصية التي تقدمها المصارف. وهذا كله بعد مدة ليست بالطويلة سيؤدي إلى فقدان المواطنين الصدقية في عملية الإصلاح السياسي، وثقتهم كذلك بالدولة التي ستكون في أذهانهم مقتصرة على الحكومة والبرلمان، ما سيؤدي إلى نتائج سلبية للغاية داخل المجتمع.
المتتبع للسياسات المتبعة في الدولة سيجد أنها تتغير بين الحين والآخر في التشريعات والإجراءات، ولكنها كلها لم تغيّر ألبتة المفاهيم والمعتقدات السائدة لدى الأفراد عن العمل والإنتاجية. ومن هذه المعتقدات التي تحتاج إلى تغيير النظرة الطائفية للعمل، وهي أن هناك فئات معينة مقتصرة على هذه الوظائف دون الأخرى، وعليه فإن البطالة مقتصرة على الطائفة الشيعية مثلاً دون الطائفة السنية. وكذلك أن مشكلة البطالة يجب معالجتها عن طريق الحكومة لأنها تقدم رواتب أفضل وامتيازات وظيفية أكثر في الوقت الذي نجد فيه أن جميع دول العالم تعتبر القطاع الخاص هو المحرّك الأول للاقتصاد، وهو المسئول عن خلق الوظائف للمواطنين نظراً لوتيرة تطوّره المتسارعة، وإمكاناته الهائلة، خصوصاً وأن القطاع الخاص يتسم بالإنتاجية والإبداع في العمل بخلاف القطاع الحكومي الذي تتسم أعماله بالروتينية والجمود.
خلاصة القول إننا اليوم أحوج ما نكون إلى نظام اقتصادي جديد يواكب التطورات التي يشهدها النظام من إصلاح سياسي، والمتغيرات الاقتصادية الدولية الناجمة عن توجهات منظمة التجارة العالمية WTOالتي ستأتي إلى جميع دول العالم دون استثناء ونحن منها. ولابد أن يكون النظام الجديد قادراً على تلمّس الإشكاليات الاقتصادية الأساسية في النظام من بطالة وارتفاع حجم العمالة الأجنبية وتدني الأجور، وكذلك يراعي تغيير المفاهيم التقليدية السائدة بين المواطنين عن العمل والإنتاجية حتى لا يكون المشروع الإصلاحي مجرد حريات ومشاركة سياسية، وإنما يجب أن يكون مشروعاً متكاملاً لإصلاح الوطن
العدد 747 - الثلثاء 21 سبتمبر 2004م الموافق 06 شعبان 1425هـ