في الرابع من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل سيحل العالم العربي ضيف شرف على معرض فرانكفورت للكتاب. ووفقاً لآمال المشاركين العرب فإنهم يتمنون أن تسهم المشاركة العربية في أكبر معرض عالمي للكتاب في تحسين سمعة العرب والإسلام عند الغربيين. فبعد هجوم الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 على الولايات المتحدة تحققت نظرية العالم الأميركي صموئيل هنتنغتون الذي تنبأ في منتصف التسعينات بصراع الحضارات. هذا الصراع الذي أصبح اليوم حقيقة ولا يتحمل مسئوليته المتطرفون الإسلاميون فقط، فكثيرون في العالم العربي والإسلامي خصوصاً يتبنون الرأي بأن الحرب المناهضة للإرهاب التي أعلنها المبشر جورج بوش بعد الحادي عشر من سبتمبر هي حرب ضد الإسلام.
بعد الحملة العسكرية التي قادتها الولايات المتحدة الأميركية على أفغانستان والعراق تزداد احتمالات التدخل العسكري في السودان، ولاحقاً في إيران. وتعتقد مصادر دبلوماسية في برلين أنه في حال فوز بوش بانتخابات الرئاسة المقررة في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل فإن أهم هدف لسياسته الخارجية سيكون توجيه ضربة عسكرية لإيران منعاً لحصول الجمهورية الإسلامية على القنبلة الذرية.
في بحر الأسبوع الماضي صدرت شهادة محبطة للعزائم من وجهة نظر المسلمين في ألمانيا. فقد دلت نتائج حملة استطلاع للرأي قامت بها مؤسسة ألنسباخ المتخصصة في هذا المجال، لحساب صحيفة «فرانكفورتر ألجماينه» على أن أول ما يتبادر إلى ذهن غالبية الذين تم استفتاؤهم عند سماعهم كلمة «إسلام» هو اضطهاد المرأة، وثانياً الإرهاب، وثالثاً التطرف، ورابعاً الخطر، وخامساً الرجعية.
وتعتبر هذه النتائج حصيلة الحملة الإعلامية المكثفة التي قامت بها وسائل الإعلام الألمانية خصوصاً تلك المعروفة بحقدها على العرب والمسلمين مثل دار أكسيل شبرانجر التي تصدر عنها صحيفة «بيلد» الشعبية الواسعة الانتشار. وتختار صحيفة «بيلد» عناوين مهينة للإسلام دون الأخذ بعين الاعتبار أنها تمس مشاعر 3 ملايين مسلم يعيشون في ألمانيا، وأن غالبيتهم كسائر المواطنين الألمان يدفعون ضرائب ويحترمون قوانين البلاد. وتستغل هذه الصحيفة الشعبية التي توزع خمسة ملايين نسخة يومياً كل عمل عنف ينسب إلى زعيم ديني أو رئيس مجموعة أصولية عربية أو إسلامية للزعم بأن هذا العمل له صلة بالإسلام. وغالباً ما يجري وصف الشريعة الإسلامية بأنها رجعية وأن العمل بها يمثل عودة الإنسان إلى العصر الحجري. وتتجاهل صحيفة «بيلد» عادة نشر رسائل الاحتجاج التي ترد إليها من القراء المسلمين.
ولا تقتصر معاداة الإسلام في ألمانيا على بعض وسائل الإعلام فحسب فهناك بعض المسئولين السياسيين الذين تكشف تصريحاتهم أن صراع الحضارات موجود فعلا ولم يعد مجرد نظرية. فلم يعد سراً أن وزير الداخلية الألماني الاتحادي المثير للجدل أوتو شيلي، في طليعة السياسيين الألمان الذين لا تخدم تصريحاتهم التعايش السلمي بين المسلمين وأبناء الطوائف الأخرى. فهو الذي أعلن الحرب على الإسلاميين في ألمانيا بعد هجمات سبتمبر، ويصعب عليه أن يفرق بين المتطرفين وبين الذين يريدون ممارسة دينهم وفي الوقت نفسه احترام القوانين الألمانية.
وتصف الأوساط العربية والإسلامية تصريحات شيلي تجاه الإسلام بأنها في الغالب هشة وتضع المتطرفين والمعتدلين في زاوية واحدة. وكان أقسى تصريح صدر عن شيلي الذي تلقبه وسائل الإعلام الألمانية بـ «الشريف الأسود»، جاء في مقابلة نشرتها قبل أشهر مجلة «دير شبيغل» حين قال في معرض حديثه عن الإسلاميين: «أنتم تحبون الموت وستلقونه». وأثار هذا التصريح مناقشات في ألمانيا بشأن الصرامة التي يستخدمها وزير الداخلية تجاه الإسلاميين بشكل لا يسري على سائر الفئات الأخرى.
وحين زار شيلي «إسرائيل» مطلع الشهر الحالي للمشاركة في مؤتمر لمناهضة الإرهاب في هرتزليا تسبب بحرج لحكومة بلاده حين دفعه تعاطفه القوي مع «إسرائيل» إلى الدفاع عن جدار شارون، على رغم أن الحكومة الألمانية كسائر دول الاتحاد الأوروبي دعت «إسرائيل» إلى إزالته أو إزاحته بعيدا عن الأراضي الفلسطينية التي احتلتها خلال حرب 1967.
وبعد عودته إلى برلين كانت تنتظره رسالة من مركز سيمون فيزينتال اليهودي (صائد النازيين) في باريس تطلب منه العمل على منع انعقاد مؤتمر عربي إسلامي في برلين لمناقشة القضية الفلسطينية وحرب العراق. ووفقا للجهة المنظمة وافق أكثر من 150 اتحاداً عربياً وإسلامياً الحضور إلى برلين للمشاركة في هذا المؤتمر الذي قال شيلي إنه سيبذل قصارى جهده لعدم تحقيقه.
وكانت أول خطوة في هذا السياق ترحيل أحد المنظمين وهو لبناني إلى بلده وتأكيد وزارة الداخلية في برلين ووزارة الداخلية الاتحادية أن ألمانيا لن تسمح للإسلاميين المتطرفين أن يستخدموا ألمانيا منبرا لشن حملاتهم المناهضة للولايات المتحدة و«إسرائيل». وكان مركز سيمون فيزينتال قد نبه وزير الداخلية إلى أن الجهة الداعية للمؤتمر تنشر على صفحات الإنترنت الخاصة بها ما يشير إلى التمجيد بالعمليات الاستشهادية في العراق و«إسرائيل».
يذكر أن غالبية المنظمات الإسلامية في ألمانيا أعلنت تنصلها من هذه الجهة والتي أحد أعمدتها يدعى جبريل ضاهر وهو مسيحي لبناني اعتنق الإسلام، معتبرة أن الدعوة إلى مؤتمر للأصوليين في برلين خطوة تضرّ بسمعة الإسلام. إذا كانت نتائج هجمات سبتمبر أو حرب العراق، وكذلك الخوف من انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي وأخيرا خطف الرهائن الغربيين في العراق وجريمة مدرسة بيسلان فإن التغطية غير الموضوعية تقود دائماً إلى سوء الفهم. ونتيجة لسوء الفهم وعدم إدراك الحقيقة بأن الذين يرتكبون أعمال عنف لا يفعلون ذلك نيابة عن كافة المسلمين وبالتأكيد ليس باسم الإسلام. علماً أن الدعاية الروسية الموجهة ذكرت أن بين الذين شاركوا في جريمة بيسلان مقاتلين عرباً على رغم أن موسكو لم تقدم حتى اليوم أي دليل على هذه المزاعم.
وبحسب استنتاجات مؤسسة ألنسباخ لاستطلاع الرأي فإن حوادث العنف الأخيرة صعدت صراع الحضارات، الأمر الذي أكدته نتائج عملية استطلاع أجرتها المؤسسة المذكورة دلت بعد جريمة بيسلان أن صراع الحضارات، حسب المفهوم الشائع بين الناس هنا، هو صراع بين الإسلام والغرب المسيحي، إذ كان يعتقد ذلك 62 في المئة من الذين تم استفتاؤهم، مقابل نسبة 25 في المئة قالوا إن هذا الصراع غير موجود.
وهزّت جريمة بيسلان الرأي العام الألماني، واستغلت صحيفة «بيلد» بصورة خاصة هذا الحادث للتشهير بالإسلام. ودلت عملية الاستفتاء التي حصلت هذه الصحيفة على كامل بياناتها أن غالبية الألمان يعتقدون أن الإسلام يشكل تهديداً لهم، وأنهم يعتبرونه ديناً غريباً عليهم، الأمر الذي أكدته النتيجة العالية للذين عبروا عن رأي سلبي جدا تجاه الإسلام: 93 في المئة قالوا إنهم حالما يسمعون كلمة إسلام يفكرون باضطهاد المرأة؛ و83 في المئة قالوا إنهم سرعان ما يفكرون بالإرهاب؛ ونتيجة مماثلة قالوا إنهم يفكرون على الفور بالتطرف. ولا تزيد نسبة الألمان الذين قالوا إن الإسلام رمز للضيافة الكريمة والثقافة التي قدمت الكثير للغرب وأنه دين تسامح يشجع على صلة القربى عن نسبة 6 في المئة.
تعتبر نتائج الاستطلاع هذه شهادة عقيمة أيضاً لمؤسسات ومجالس المسلمين في ألمانيا التي يجمع المسئولون فيها المال من سفارات وحكومات عربية وإسلامية ينتهي الجزء الأكبر منها في جيوبهم، ناهيك عن عدم توافر الكفاءات في هذه المؤسسات والمجالس التي لديها القدرة على مخاطبة الرأي العام وفتح حوار مع وسائل الإعلام الألمانية. زيادة على النتائج التي تم ذكرها هناك 18 في المئة من الألمان يعتقدون أن هجمات سبتمبر من ترتيب المخابرات الأميركية، بينما نسبة 63 في المئة تستبعد ذلك وتحمّل أسامة بن لادن كامل المسئولية. و51 في المئة من الذين تم استفتاؤهم عبروا عن الرأي أن هجوما مثل 11 سبتمبر سيقع في فترة لا تزيد عن عامين. كما دلت نسبة 48 في المئة على ضرورة بقاء ألمانيا في معسكر التحالف المناهض للإرهاب مقابل نسبة 30 في المئة عبرت عن رأيها بانفصال ألمانيا عن التحالف. ولا يتوقع المراقبون الذين قالوا إن غالبية الألمان لديهم صورة سلبية تماماً عن الإسلام أن تتحسن هذه الصورة لديهم... وبالتأكيد في المستقبل القريب
العدد 746 - الإثنين 20 سبتمبر 2004م الموافق 05 شعبان 1425هـ