كيف ستتعاطى الولايات المتحدة مع ملفات (أوراق) ما تسميه دول «الشرق الأوسط الكبير» في حال جُدد للرئيس الحالي جورج بوش في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل؟
حتى الآن أثمرت سياسة الهدنة والتراجع المنظم والضغوط على الاتحاد الأوروبي والمساومة مع الدول الكبرى في مجلس الأمن سلسلة أوراق تتعلق بالملفات (أوراق دولية) الإيرانية والسورية واللبنانية والسودانية. فهذه الأوراق تشكل أدوات ضغط على عواصم الدول المذكورة. وتعتبرها واشنطن كافية لتمرير ما تريده من سياسات عامة تتعلق بأمن النفط وأمن «إسرائيل» واستقرار المنطقة لمصلحة استراتيجيتها.
ولكن ما هي الاستراتيجية الأميركية؟ وكيف ستتعاطى مع هذه الملفات في الأسابيع والشهور المقبلة؟
الولايات المتحدة ذكرت مراراً في تصريحات أطلقها وزير دفاعها دونالد رامسفيلد أن حربها (على الإرهاب) طويلة زمنياً وممتدة جغرافياً. فرامسفيلد أشار في أكثر من تصريح إلى أن الحرب قد تستغرق أكثر من 20 عاماً وأنها تشمل قرابة 40 دولة يعتقد أن فيها خلايا لتنظيم «القاعدة». وكرر رامسفيلد في تصريحاته أن الولايات المتحدة لا تملك استراتيجية واحدة للتعاطي مع كل الملفات. فلكل دولة سياسة والسياسة تختلف بين واحدة وأخرى حتى وإن اتفقت الدول على موقف مشترك.
رامسفيلد كان يقصد أن سياسة الهجوم العسكري ليست هي الوحيدة في التعاطي مع الملفات. وما نفذته الإدارة الأميركية في أفغانستان وثم العراق ليس هو الأسلوب الوحيد. فهناك أساليب مختلفة تتغير بحسب استعداد الدولة المعنية إلى تعديل استراتيجيتها وسلوكها العام. وعدّد رامسفيلد مراراً الكيفيات التي ستتعاطى معها واشنطن. فهناك أسلوب الحرب والاحتلال (أفغانستان والعراق). وهناك أسلوب القصف من بعيد من دون حاجة إلى إرسال قوات مشاة. وهناك الضغط الاقتصادي من بعيد، وهناك فرض العقوبات الاقتصادية المباشرة، وهناك المقاطعة والحصار الطويل وتعقبهما ضربات وهجمات تزعزع الاستقرار الداخلي والأمن الوطني.
هذا الكلام الذي أطلقه رامسفيلد مراراً يؤكد من جديد أن هدف الولايات المتحدة من عملياتها العسكرية وضغوطها السياسية وعقوباتها الاقتصادية ليس إقامة أنظمة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان بل تشجيع الأنظمة على تغيير سياساتها والتكيف مع حاجات الولايات المتحدة وتطلعاتها نحو السيطرة على ثروات المنطقة وحفظ أمن مصالحها وضمان أمن «إسرائيل».
وفي هذا السياق قدمت واشنطن مجموعة أمثلة مضادة لما حصل في أفغانستان والعراق للتدليل على تنوع أساليبها في التعاطي مع الدول المعنية باستراتيجيتها الكبرى في منطقة «الشرق الأوسط الكبير». وأبرز مثال على هذا التنوع النموذج الليبي. فالنظام في طرابلس الغرب لم يتغير إذ استمر في سياسته الداخلية ولكنه عدل من السياسته الخارجية ودفع «دية» للولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وفتح أبوابه أمام بعثات التفتيش وأعطى واشنطن كل ما تريده من مال وآبار نفط... فانتهت المشكلة ورفعت عنه العقوبات وفك الحصار وتحول النظام إلى نموذج آخر وتراكض لخطب وده الكثير من زعماء أوروبا وأميركا.
النموذج الليبي يؤكد أن المسألة لا علاقة لها بالحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان وإنما بالمصالح والمال والنفط وأمن «إسرائيل» وغيرها من طلبات تتصل بخضوع المنطقة للنموذج الأميركي وتبعيتها للاستراتيجية العامة التي تخطط لها تمهيداً لمواجهات كبرى تتوقع حصولها في المستقبل في حال استمرت الصين في صعودها الاقتصادي.
هناك نماذج إذاً وليس نموذجاً واحداً. فأسلوب القصف والتدمير والتخريب والحصار وفرض العقوبات وربما الاجتياح والاحتلال وإنشاء القواعد العسكرية ومهابط للطيران لا تستطيع واشنطن اتباعه في كل الحالات والأمكنة وذلك لسبب بسيط وهو عدم قدرتها على احتلال العالم العربي - الإسلامي عسكرياً. فالاجتياح والاحتلال وفرض السيطرة المباشرة كلها وسائل تحتاج إلى قوات مشاة هائلة الحجم وهذا ما لا تستطيع الولايات المتحدة توفيره. ومثال أفغانستان والعراق يؤكد استحالة السيطرة الميدانية على كل شعوب المنطقة العربية - الإسلامية. ولذلك أعطت واشنطن أمثلة أخرى للتفاهم معها كما فعلت مع ليبيا واليمن والجزائر.
إلا أن حال إيران وسورية (لبنان) وربما السودان يختلف في جوهره عن الملفات الأخرى التي يمكن تأجيلها أو مراقبتها عن بعد. الملفات الإيرانية والسورية - اللبنانية وربما السودانية أكثر حرارة ويصعب تأجيلها نظراً إلى تأثيرها المباشر على مسألة الأمن في شقيه: النفط و«إسرائيل». لذلك يتوقع أن تفتحها إدارة بوش مباشرة بعد التجديد له في نوفمبر. والتجديد له ترجحه استطلاعات الرأي، بينما الملفات الساخنة فهي مجرد مسألة وقت
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 746 - الإثنين 20 سبتمبر 2004م الموافق 05 شعبان 1425هـ