من يقارن وضعنا الحالي في ظل المشروع الإصلاحي بما كنا نعيشه من قيود للحرية أيام قانون أمن الدولة يجد فرقا واسعا. لست هنا في مقام المديح، ولكن كما قلت سابقا يجب ان ننصف المشروع بما يحمل من ايجابيات. في الزمن السابق أيام قانون أمن الدولة كانت المخابرات تلاحق المواطن في كل شيء... كانت سلطة أمن الدولة مطلقة ليس لها حدود، ترويع المواطنين والهجوم على البيوت. وكان الواحد منا يؤخذ على الظنة والتهمة، وعندما نأتي من السفر تنقبض قلوبنا ويتسلل الخوف إليها مخافة سطوة رجال مباحث المطار. فالعشرات من المواطنين يطردون ولا يسمح لهم بالدخول، والبعض يؤخذ من المطار مباشرة الى المعتقل... بعض المعتقلات تحولت الى فرامات لحم بني آدميين... كل ذلك انتهى بعد التصالح الوطني واصبحت البحرين الدولة الوحيدة التي لا يوجد فيها معتقلون سياسيون، وفي أروقة المحاكم لا توجد الا قضية واحدة نتمنى ان تحل وفق معايير القضاء العادل والنزيه.
أقول: إن نعمة الأمان نعمة كبرى يجب ألا نمر عليها سريعاً، بل يجب ان نقف أمامها ملياً ونعيد تشغيل شريط السنين الخوالي من ألم معاناة قانون أمن الدولة لنحكم بعد ذلك بالفارق الكبير بين الماضي والحاضر... هل تعتقدون ان الحرية هي الحرية، ابدا، بالأمس كانت هناك رقابة على الصحافة... واليوم لا توجد رقابة إلا بمستوى ضئيل... الصحافة اليوم تنتقد الوزارات والوزراء وتنتقد اداء الحكومة، يستشيط الوزير غضبا، يحاول المسئول الفلاني أو العلاني ان يضغط على الصحافة بسحب الاعلانات واذا به يتورط في هكذا اداء لأنه ورط نفسه بالصحافة.
أما على مستوى الحريات العامة وبناء المؤسسات، فبالأمس كان العمل السياسي يُطبخ تحت الطاولات وكان عملا سريا، واليوم توجد جمعيات نتمنى ان تتحول الى أحزاب لأن الديمقراطية بلا أحزاب ديمقراطية يمكن ان تنتكس، لهذا أجد ان قانون الجمعيات يجب ان يتناسب مع حجم المشروع الاصلاحي لا أن يكون مقيداً للحريات... المهم الآن انه توجد جمعيات تعبر عن نفسها وبرامجها.
اقتصادياً، أصبح رجال الاعمال والمستثمرون أكثر أمناً على مشروعاتهم لأنه في أيام قانون أمن الدولة كان بإمكان أي منتقد ان يستفسر أو يبتز أي تاجر، لذلك ازدادت ظاهرة القطط السمان بسبب الابتزاز واستغلال النفوذ، أما اليوم فتوجد نيابة عامة ومحاكم ونقابات وصحافة ومؤسسات مجتمع مدني... الخ. أنا لا أقول ان الفساد انتهى، ولكنه الآن اصبح أقل انتشارا، وأصبحنا نرى ملفات فساد توصل الى النيابة العامة ونتناولها عبر الصحافة.
السؤال: هل بإمكاننا ان نتناول ذلك في دول الجوار عدا الكويت؟ طبعا لا، والدليل اقرأوا صحف الخليج واقرأوا صحف البحرين... يبقى هناك اشكال يقع على مستوى الاعلام، فالاعلام البحريني لم يتغير البتة عن أيام قانون أمن الدولة... لم نلحظ تغييرا ابدا سواء على مستوى البرامج أو على مستوى سقف الحرية، والدليل ما نلحظه من برامج لا ترقى إلى مستوى الطموح لو قارناها ببرامج دولنا الخليجية... هناك كفاءات بحرينية ولكن لا توجد هناك حرية ولا استراتيجية واضحة المعالم في وزارة الاعلام. وتلفزيون البحرين مازال مشغولا ببرامج «لحظة ضحك» أو «ما يطلبه المشاهدون» أو البرامج المبرمجة التي أكل عليها الدهر وشرب، ومازال يعيش على البقية المتبقية من برنامج «موقف هنا او هناك».
أما على المستوى الاقتصادي فقد اصبحنا نشهد خططاً لمشروعات اسكان كالمشروع الضخم للمنطقة الشمالية ومشروع قرية المقشع النموذجية كما بدأت الشوارع تتغير تدريجيا مثال على ذلك: بعض المناطق في الدراز، وبني جمرة... اذكر هذه الاماكن لانها كانت المناطق المحرومة بشكل كبير. كما ان رصد 120 مليون دينار للبيوت الآيلة للسقوط كان خطوة في الاتجاه الصحيح... والآن يوجد مجلس مناقصات ولكن للأسف الشديد ان غياب النواب وانشغالهم ببعض القضايا الهامشية سيفوت الفرصة على الرقابة الحقيقية. بقي ملف مهم وهو ملف البطالة الذي مازال دون مستوى الطموح ولعبة الارقام في توظيف العاطلين اصبحت نكهة شعبية تقدم مع الشاي في المقاهي الليلية التي يتسكع فيها العاطلون البحرينيون. الحكومة بحاجة الى ان تضخ اموالا اضافية للموازنات العامة مع تدقيق المراقبة على المال العام وهي بحاجة الى رفع مستوى دخل الفرد البحريني والتقليل من المصروفات المخصصة للوزراء والمسئولين.
أنا أعلم ان التجربة ناقصة ولكني أؤمن بقاعدة ثلاثة عصافير في اليد في ظل الاصلاح مع العمل على كسب عصافير أخرى خير من عشرة على الشجرة. أقول: الوقت ليس في صالح أحد. البحرين جغرافيا ووظائفيا ذات موارد محدودة المستوى، وكل خوفي من ان ننام «حمسانين» من دون ان ندخل في التجربة واذا بنا نفيق ذات يوم وقد انتهى كل شيء لا موارد، ولا وظائف إذ مئات الأراضي ملكت، لا بحار فقد وزعت، ولنعلم جيدا، اننا في بلد صغير محدود في كل شيء وظاهرة ملء المؤسسات بالتوظيف السريع تعكس مدى الازمة. غدا لن ينفعنا البكاء على اللبن المسكوب يجب ان نراجع انفسنا لنفكر من أين تؤكل الكتف، فالسياسة تحتاج الى ذكاء ودهاء شرعي وليس إلى أية دروشة وتنظير
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 745 - الأحد 19 سبتمبر 2004م الموافق 04 شعبان 1425هـ