إذا كانت إحدى عجائب عصر القوة الواحدة في عالم اليوم هي السعي لتفصيل قوانين دولية على مقاس قادة أميركا، فقد أضاف الأميركان منذ ست سنوات عجيبة أخرى لعالم تتمثل في تفصيل قواعد خاصة للحريات الدينية مستمدة من الدستور والمصالح الأميركية ليحاكموا على أساسها دول العالم ويصنفوها بين معسكري الخير والشر!

ففي سعيهم لإخضاع الكثير من دول العالم لهيمنتهم، شكل الأميركيون لجنة تابعة لوزارة الخارجية والكونغرس يصدر عنها تقرير سنوي، عن الحريات الدينية في العالم وهناك لجان كثيرة غيرها ممن تستخدمها واشنطن كسيوف مسلطة على رقاب الدول التي تسميها «مارقة».

ولأن غالبية التقارير الصادرة عن الخارجية هدفها الأساسي هو خدمة السياسة الأميركية، فهي تتسم بعدم الحياد وتركز على ما يخدم مصالح واشنطن في نهاية الأمر. وخطورة مثل هذه التقارير أنها تعد مبررا لأميركا لتمارس ضغوطا وتفرض قيودا على الدول المتهمة بانتهاك الحريات، فوفق النظام تختار واشنطن من يطلق عليها «الدول التي تثير قلقا خاصا»، بحيث تقرر نوع العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية التي تعتزم فرضها عليها.

وفي تقرير هذا العام وهو السادس الذي تصدره الوزارة وصفت إيران والسعودية بأنهما أسوأ المنتهكين لحقوق الدينية. كما هاجم الصين - التي عارضت غزو العراق وفرض عقوبات على السودان. أما «إسرائيل» فقد جاء التقرير في حقها «أقل شدة» ملقيا على الانتفاضة الفلسطينية مسئولية توتر العلاقات بين اليهود، إذ لم يتضمن أية إشارة إلى القيود الإسرائيلية على وصول الفلسطينيين إلى المسجد الأقصى. التقارير الخمسة السابقة اتخذت نفس الموقف بتوجيه اللوم الرقيق للحلفاء والإدانة الشديدة للمعارضين. السؤال الذي يطرح نفسه ما مدى احترام الحرية الدينية في أميركا ذاتها؟.

فعلى رغم أن عدد جرائم الكراهية والتمييز ضد الأقليات الدينية في أميركا ازداد بنسبة 170 في المئة، وفق تقرير منظمة العفو الدولية. ومع ذلك «لم يتعرض التقرير إلى هذه الحالة». من المضحك أن تقيمنا في الحريات ولديها هذا الرقم «الصغير»