مسألة احتمال إقرار قانون الجمعيات السياسية خلال الفترة المقبلة ستثير عدة إشكالات داخل النظام السياسي، فهي من ناحية ستثير قضية الإشكال الدستوري بقوة، ومن ناحية أخرى فإنها ستعجل من وتيرة الحوار الدائر بين الحكومة ممثلة في وزارة العمل والشئون الاجتماعية وجمعيات التحالف الرباعي المقاطعة، وستزيد من غموض مخرجات هذا الحوار غموضاً.
وإذا أتينا إلى مسألة تأثير طرح قانون الجمعيات السياسية على القوى المعنية نفسها، فإننا سنجد هناك نوعين من الجمعيات ستتباين مواقفها، فالأولى ستؤيد المشروع، وخصوصاً تلك التي لديها كتل نيابية داخل مجلس النواب، وجمعيات أخرى ستقاطع المشروع بدرجة قد تصل إلى شكل من أشكال الحدة والتوتر التي ستصاحب إعلان مواقفها، وهذه الجمعيات ستكون بالطبع جمعيات التحالف السداسي التي بدأت في الإعداد للمرحلة المقبلة عبر تنظيم الفعاليات، وتشكيل اللجان لدراسة القانون.
وعليه فإننا أمام حالٍ من صراع المواقف بين الجمعيات خلال الفترة المقبلة، إذ ستسعى الجمعيات ذات الامتداد البرلماني إلى تأييد المشروع، تدعمها بقوة الحكومة. وفي الوقت نفسه فإن الجمعيات الأخرى ستسعى لإبراز مواقفها المعارضة، وإذا كانت الجمعيات ذات الثقل البرلماني لديها الإمكانات الدستورية لطرح وإيقاف القانون، فإنها طبعاً لا تملك تأثيراً واسعاً في الشارع المحلي. في حين ان الجمعيات المعارضة للقانون الجديد لديها آليات فاعلة لإثارة القواعد الشعبية، وبإمكانها حشد التأييد والدعم لمواقفها داخلياً وخارجياً.
ثمة أمر غريب للغاية في اهتمام الجمعيات المقاطعة بإصدار قانون للأحزاب السياسية، ففي الوقت الذي تحفظت هذه الجمعيات على الدستور والبرلمان، فكيف بها اليوم تسعى لمعارضة قضية يفترض بها داخلية لا شأن لها بها داخل قبة البرلمان (الضعيف حسب تعبيرها)؟! ولماذا ساندت الجمعيات المقاطعة قانون الأحزاب الذي طرحته كتلة المنبر التقدمي في البرلمان والذي كان سيصدر طبقاً لنصوص دستور مملكة البحرين الصادر في العام 2002؟
قد يكون السبب في ذلك الإدراك المتأخر للجمعيات المقاطعة بفداحة الخسائر التي منيت بها جرّاء قرار المقاطعة. خصوصاً في ظل بروز حالٍ من التذمر في أوساط قواعدها الشعبية، وهو ما أفرز حالياً شكلاً من أشكال الانشقاق داخل جمعية الوفاق الوطني الإسلامية.
أيضاً ثمة احتمال آخر، وهو المخاوف التي أبدتها الجمعيات المقاطعة من قيام الحكومة بالتلاعب بقانون الجمعيات، والانتهاء من دراسته وصوغه القانوني لتقديمه إلى البرلمان في وقت قصير جداً، ليكون أداة تفاوضية تلعب بها مع الجمعيات المقاطعة التي أصبحت مواقفها في الحوار المبتور بشأن الإشكالات الدستورية ضعيفة، ولا توجد لديها أوراق تلعب بها مع الحكومة. ولهذا السبب نجد استئناف الحوار بسرعة، وتفاعل وزير العمل والشئون الاجتماعية مع الجمعيات وطلبه مرئياتها بشأن التعديلات الدستورية.
مثل هذه التوقعات والسيناريوهات قد تكون واقعية للغاية إذا أخذنا بالاعتبار أبرز التحليلات الدولية بشأن الأوضاع في البحرين، كما ورد في تقرير «الإيكونومست» عن البحرين الصادر في أغسطس/ آب الماضي، ولكن الاحتمالات المقبلة ستظهر بسرعة وخلال أسابيع، مع بدء دور الانعقاد الثالث الشهر المقبل، متزامنة مع الموعد الذي أقرته الحكومة للرد على مرئيات الجمعيات المقاطعة عن التعديلات الدستورية
العدد 744 - السبت 18 سبتمبر 2004م الموافق 03 شعبان 1425هـ