أظهرت نتائج استطلاع دولي للرأي، ان غالبية شعوب العالم، تقف ضد إعادة انتخاب الرئيس الاميركي جورج بوش الابن لفترة رئاسية جديدة للولايات المتحدة، وفضلت اكثرية خمس وثلاثين من شعوب العالم منافس بوش المرشح جون كيري لتولي الرئاسة الاميركية، إذ بيّنت النتائج ان ممثلي ثلاثين شعباً من شعوب العالم فضلوا كيري، فيما اختار ممثلو خمسة شعوب فقط انتخاب بوش رئيساً.
وجاءت هذه النتائج في استطلاع شركة «غلوبال سكان انكوربوريشن» العالمية للابحاث بالمشاركة مع جامعة ميريلاند الاميركية، والذي أجري في يوليو/ تموز وأغسطس/ آب الماضيين، وشمل اربعة وثلاثين ألفا وثلاثمئة وثلاثين شخصاً من خمس وثلاثين دولة، تتوزع على قارات العالم بينها النرويج وهولندا وبريطانيا وإسبانيا وإيطاليا في أوروبا، وكندا والمكسيك والارجنتين والبرازيل في الاميركيتين، واليابان والهند وتايلند وكازاخستان واندونسيا والصين والفلبين في آسيا، ونيجيريا وكينيا وتنزانيا في افريقيا، وكان رأي اكثرية المشاركين في الاستطلاع، ان السياسة الخارجية الاميركية أصبحت أسوأ في عهد بوش، وان تلك السياسة جعلت مشاعرهم تجاه اميركا «أسوأ».
والقول بسوء السياسة الاميركية في عهد بوش، وتنامي مشاعر العداء لأميركا، حسبما جاء في آراء المشاركين في الاستطلاع، يرتبط بما قامت به الادارة الاميركية في عهد بوش، وخصوصاً لجهة محاولتها فرض هيمنتها على العالم، وحشد دوله ورأيه العام خلف سياستها ومواقفها، وسعيها الى اجبار الامم المتحدة على تبني المواقف والسياسات الاميركية، ثم شنها حرباً دموية واسعة النطاق، مازالت فصولها تتوالى في كل من افغانستان والعراق، وفي تأييدها الحرب الاسرائيلية ضد الفلسطينيين، والمستمرة منذ نحو اربع سنوات بصورة لا تقل دموية عما حصل ويحصل في افغانستان والعراق. وكله مرتبط بسياسة الرئيس الذي يدير البيت الابيض، وهو الذي يختار الطاقم السياسي الذي يعمل معه، وبالمعنى الدقيق للكلمة: فان سياسة ادارة بوش هي سياسة الرئيس نفسها.
والتطابق في السياسة بين الرئيس بوش وادارته، هو ثمرة علاقة الرئيس ومجموعة المحافظين الجدد، التي ينتمي اليها غالبية اعضاء الادارة الاميركية الحالية، والتي قيل الكثير بشأن افكارها ومواقفها ونظرتها للعالم وللولايات المتحدة والعلاقات الممكنة بين أميركا وبقية العالم، والمستندة أساساً الى «المدّ البروتستانتي الإنجيلي... (الذي) يلعب فيه العم سام دور المخلّص المنتظر»، طبقاً لما يراه الباحث الفرنسي سيباستيان فتح في كتابه «لتنزل بركة الله على أميركا: ديانة البيت الأبيض».
والرابط بين الرئيس بوش والخلفية التي جاء منها قوي وحاضر سواء في علاقته مع الرئيس الاسبق جورج بوش الاب، والذي سجل في قيادته حرب الخليج الثانية أو حرب تحرير الكويت 1991 انقلاباً في مفهوم الحرب الاميركية ووسع مدى حضورها، ليس في منطقة الخليج أو في الشرق الاوسط، كما بدا من تلك الحرب، بل على مستوى العالم، وهو تطور عملي لنهجٍ سياسي كرّسه رونالد ريغان الرئيس الاربعين للولايات المتحدة (1981 - 1989) والموصوف بأنه «الاب الروحي» للرئيس بوش الابن، وقد وصفه الاخير عندما توفي أخيراً بانه «جندي من أجل قضية الحرية»، و«بفضل قيادته تخلّص العالم من عصر الخوف والطغيان» في اشارة الى سقوط الاتحاد السوفياتي، وولادة النظام العالمي الجديد الذي تتربع الولايات المتحدة على سدته.
وشهدت سياسات بوش وإدارته على مدى السنوات الأربع الماضية اعتراضات واسعة وجدية من جانب دول وشعوب وأوساط الرأي العام العالمي، وكان بين تعبيراتها تظاهرات ومسيرات في مختلف بلدان العالم، ولاسيما في العواصم الغربية، اضافة الى نشاطات فكرية وثقافية واعلامية، هدفت الى فضح سياسات بوش وادارته وبيان اكاذيبها، وتوسعت هذه الانشطة وتزايدت مع انكشاف ما احاط بالحرب على العراق، سواء عن أهداف الحرب ومبرراتها أو بالنسبة لنتائجها، التي لم يثبت انها أدّت إلى تحقيق الحرية والديمقراطية للعراقيين بعد عام ونصف العام من الحرب، بل هي كشفت من خلال مجريات الحياة اليومية وفي فضيحة سجن أبوغريب، ان العراقيين مازالوا عرضة للانتهاكات والدمار على نحو ما كان عليه الوضع ايام النظام السابق وأكثر.
وسط تلك الخلاصة لسياسة بوش وادارته، بدا من الطبيعي، ان يرفض الرأي العام عبر استطلاع عالمي، ان يجدد للرئيس بوش لفترة رئاسية ثانية في الولايات المتحدة، وهذا ما قالته أكثرية المشاركين في الاستطلاع من خمس وثلاثين بلداً، غير انه وبخلاف ذلك فقد أيّدت أكثرية الاسرائيليين الرئيس بوش مقابل المرشح الديمقراطي جون كيري، إذ بينت نتائج استطلاع، ان 49 في المئة، قالوا إن بوش في البيت الابيض «أفضل لإسرائيل»، وربما يعود ذلك الى وصفه رئيس وزراء اسرائيل بانه «رجل سلام»
العدد 744 - السبت 18 سبتمبر 2004م الموافق 03 شعبان 1425هـ