العدد 744 - السبت 18 سبتمبر 2004م الموافق 03 شعبان 1425هـ

إيران ليست عصابة مافيا ولا العدو الأول للعراق

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

جاء إعلان المستشار السياسي للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق السيدمحسن الحكيم تعيين محمد مجيد عباس (أبوحيدر الشيخ) سفيراً للعراق في طهران نقطة مهمة وإيجابية في مسيرة العلاقات الثنائية المتوترة بين البلدين، وخصوصاً أن أبا حيدر الشيخ كان مديراً لمكتب الشهيد المجاهد آية الله السيدمحمد باقر الحكيم لمدة عشرين عاماً في طهران، كما أن ذلك الإعلان يأتي متزامناً مع تصريح نائب الرئيس العراقي إبراهيم الجعفري الأشيقر عن إيجابية مباحثاته التي أجراها في إيران، وكذلك زيارة نائب رئيس الوزراء العراقي للشئون الأمنية برهم صالح، بالإضافة إلى إطلاق وزارة الداخلية العراقية سراح مدير مكتب وكالة «أرنا» الإيرانية للأنباء في بغداد مصطفى دربان وثلاثة من زملائه العراقيين، ممن كانوا يعملون معه، ويبدو أن تلك الحوادث مُجتمعة يُمكن أن تكون مداخل جيدة لِلَجْم الحملة الإعلامية الشرسة التي يقودها وزير الدفاع العراقي البعثي حازم الشعلان الذي امتهن سمفونية مملّة باتهامه إيران بأنها العدو الأول للعراق، وهو ما يُذكّرنا بالحملة الإعلامية الشرسة التي أطلقها صدام حسين ضد إيران قُبيل هجومه على حدودها الشمالية الشرقية في 22 سبتمبر/ أيلول 1980.

الموقف الإيراني

بطبيعة الحال فإن الموقف الإيراني لما يجري في العراق يتلخص في رفض الوجود الأميركي هناك باعتباره احتلالاً وكذلك لأنه يُهدد حدودها الممتدة معه، وهي أمور باتت تضغط عليها بشدة وتُكلفها الكثير، وخصوصاً أن ذلك الوجود جاء متزامناً مع إلغاء الحظر الأميركي على تصدير الأسلحة إلى طاجيكستان والعمل على مد حلف الناتو إلى آسيا الوسطى بهدف فصل إيران من الشمال والشمال الشرقي عن كل من روسيا والصين، ثم الاندفاع نحو آذربيجان وأوزبكستان بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 والوجود العسكري المباشر في أفغانستان وتدعيم وجودها في الخليج من خلال أسطولها الخامس، والذي يضم تسع قواعد جوية وقاعدتين بحريتين وقواعد برية وقاعدتين جويتين في الكويت (علي السالم وأحمد الجابر) وقاعدة جوية في السيلية بقطر، بالإضافة إلى كل ذلك قيام القوات الأميركية والبريطانية تواً بإجراء مناورات عسكرية انطلاقاً من الأراضي العراقية في شمال الخليج وفي المنطقة الواقعة بين خور عبدالله ومنصات نفط البصرة (البكر) وسواحل شط العرب، وكذا قيام خمس طائرات أميركية في الرابع والعشرين من شهر أغسطس/ آب الماضي بخرق الأجواء الإيرانية بالقرب من حدود شلمجة وخرمشهر. كما أن ذلك الرفض الإيراني للوجود الأميركي في العراق يهدف إلى قطع الطريق على «إسرائيل» بغرض منعها من العبور إلى منطقة الخليج وشبه الجزيرة العربية، أو سعيها لإقامة تحالفات أزيد مما هو قائم مع الأكراد الذين يُمثلون أكبر أقلية في المنطقة تعيش من دون دولة، وهو ما سيُؤثر على الحال الكردية الإيرانية.

وللوقوف على أهمية العراق بالنسبة للجمهورية الإسلامية يُمكن ذكر الآتي:

- وجود أعداد كبيرة من الشيعة في العراق، والذين تربطهم علاقات تاريخية بإيران.

- احتمال توطيد القومية الكردية في العراق وتسلّل ذلك إلى إيران .

- الخلافات الحدودية بين البلدين.

- احتمال تحوّل «إسرائيل» إلى القوة الغالبة في المنطقة واستغلالها وجود العراق في الحظيرة الأميركية.

التجربة الأفغانية مثالاً

في تجربة أفغانستان راهنت طهران على دعم تحالف الشمال وأسد بانشير ضد حركة طالبان منذ العام 1996، ونجحت سياستها تلك بعد سقوط الحكومة السلفية في كابل وجَنَت من ذلك ما يكفي عندما تسيّد أصدقاؤها من تحالف الشمال على وزارات السيادة كالخارجية والداخلية والدفاع، وقد عَدَّت واشنطن ذلك إخفاقاً لسياستها في أفغانستان التي أرادت ألا يشترك في ذلك الملف حتى حلفاؤها من الأنغلوساكسون فضلاً عمن سواهم.

وفي تجربة العراق كانت إيران حاضنةً لتيارات الفعل السياسي العراقي من تشكيلات القوى الدينية، وتابعت اجتماعاتها التنسيقية وعلاقاتها الإقليمية والدولية منذ بدايتها، وبعد سقوط حكومة حزب البعث في 9 إبريل/ نيسان 2003 استطاعت الولايات المتحدة الأميركية إلى حدٍّ ما أن تحدّ من الدور الإيراني في الملف العراقي وحاكت مشروعات استخبارية لتأليب حلفائها والعراقيين ضد طهران بغرض إحراجها وإبعادها قدر المستطاع عن قضايا البلد التي تُجاوره قبل أن تولد الدولة الأميركية. كما قامت بتطعيم الحكومة العراقية المؤقتة بعناصر ذات سوابق بعثية مازالت تعيش على شعارات حماية البوابة الشرقية من الغزو الفارسي وضرورة التصدى له، كما أن طهران تعي حقيقة سعي الإدارة الأميركية الحثيث للاستعانة بعشرات الضباط الكبار السابقين في عهد الرئيس المخلوع صدام حسين لتقديم المشورة للمسئولين الأميركيين والذين قد توجد لديهم صلات استخبارية كثيرة حول مدى حجم النفوذ الإيراني في العراق ومداخله وقنواته. وقد نجحت واشنطن فعلياً في تجنيد أحد العراقيين للتجسّس داخل إيران التي وَلَجَها بصفته سائحاً قبل أن يُلقى القبض عليه نهاية الشهر الماضي.

وهنا يُمكن الإشارة إلى نقطتين لها صلة بالموضوع

- يُخطئ من يتصور أن إيران ليس لها وجود في العراق، وهي حقيقة يجب أن يقبلها الجميع ويبقى الجدل عن طبيعة ذلك الوجود وكُنهه ومنسوبه وخياراته وأهدافه، فإيران التي تحدّ العراق بأكثر من 1458 كم، كحدود شرقية شمالية وتربطها معه جيرة أزليّة فرضتها عوامل الجغرافيا والتاريخ مُفضية بشكل آلي إلى تداخل اثني ومذهبي وتجاري هائل، يُحتّم عليها ألاّ تكون مكتوفة الأيدي لما يجري صوب حدودها، يُضاف إلى كل ذلك فإن وجود أكثر من 160 ألف جندي أميركي بجوارها سيدفعها بشكل آلي لخلق سياجات أمنية ودفاعية لحدودها ولأمنها القومي.

- من البيّن أن تصريحات وزير الدفاع العراقي وكذا وزير الداخلية تجاه إيران ومن ثم رد رئيس الوزراء إياد علاوي وبعض المسئولين الآخرين كنائب وزير الخارجية حامد البيّاتي، يعكس حال اللاتوافق التي تعيشها الحكومة المؤقتة التي جُمِعَ شمل وزرائها من أطياف شتى.

خرافة تصدير «الديمقراطية العراقية»!

ثم ألا يحق لنا أن نسأل: ألم تكن إيران حاضنة لعشرات الآلاف من المُهجّرين العراقيين طوال فترة النضال ضد الدكتاتورية، على رغم عزوف المفوّضية العليا للاجئين عن تقديم ما يوازي أعداد المهجّرين. ألم تكن إيران من أوائل الدول التي اعترفت بمجلس الحكم الانتقالي وأوفدت مندوباً عن وزارة خارجيتها لحضور جلساته؟ ألم تقدّم إيران مساعداتها العينية والمادية للعراق كالتسهيلات البنكية والائتمانية الأخيرة (300 مليون دولار) وعرض استخدام الموانئ الإيرانية لتصدير الغاز والنفط العراقي وبناء شبكة الكهرباء في المناطق الجنوبية وتأهيل المنشآت الرياضية وطباعة مئات الآلاف من الكتب الدراسية؟ لماذا يتهم المسئولون العراقيون طهران بأنها تخشى من قيام نظام ديمقراطي قد يُصيبها منه العدوى، وهي التي دعمت حكومة قرضاي في أفغانستان الحاملة للمشروع العراقي ذاته، ودعمت اتفاق الطائف في العام 1987 لتسوية أوضاع لبنان وهو المُفضي إلى نظام علماني طائفي بامتياز، ورحّبت بعودة الحياة النيابية في الكويت بعد الغزو؟ ثم لماذا تخشى إيران قيام مثل ذلك النظام وهو مُتحقّق لديها سوى أنه بإطار ديني، فهي تمتلك على الصعيدين السياسي والثقافي أطروحةً وحلولاً مقبولة للمشكلات فضلاً عن تمتّعها بثقة المجتمعات الإسلامية وتمتلك نظاماً له دستوره وتقوم هيكلية سلطاته التشريعية والتنفيذية والقضائية على أساس رأي الناس، وهو ما أفضى لأن تتمتع بعائدات نفطية وباحتياطي مناسب من العُملة الصعبة وقروض خارجية متعادلة ومكانة اقتصادية ومالية بالمستوى المطلوب في النظام الدولي.

أكاذيب الشعلان

لماذا لا نرى الحساسية ذاتها عندما يقبض على بعض الداخلين إلى العراق من دول عربية مجاورة (ومصر حديثاً) بغرض المقاومة على رغم أن الجميع يعلم بأن المقاتلين في الفلّوجة والرمادي قد قدِموا من تلك الدول، وأن حوادث النجف لم تشتعل إلاّ في وقت متأخر، وأن الكلام الدائر عن وجود خطوط لوجستية بين الباسدران وجيش المهدي وتزويد الأخير بأسلحة إيرانية لهو أمر لا ينسجم مع الفقه العسكري أو المخابراتي، إذ كيف يُمكن أن تقوم إيران بتزويد مؤيدين لها وفي منطقة مُلتهبة كالعراق بأسلحة ذات صنع إيراني؟! وحتى التأييد الفتوائي لمقاومة الاحتلال لم يحتكره فقهاء أو ساسة إيرانيون فقط فكثير من الفقهاء وعلماء الدين أيدوا مقاومة الاحتلال وحركة مقتدى الصدر، كالسيد فضل الله والشيخ عبدالأمير قبلان والسيد محمد حسن الأمين وغيرهم.

ألم يتماه الموقف الإيراني مع الموقف العراقي تجاه مبادرة آية الله العظمى السيد السيستاني ودعمها وتأييدها (يُمكن الرجوع إلى تصريحات الإمام الخامنئي والشيخ جنتي والشيخ رفسنجاني).

وهنا استغرب من تصريحات بعض المحللين السياسيين القائل بخوف النظام الإيراني من حركة المرجع السيستاني باعتبار أن الأخير قَبِلَ بنظام علماني في العراق ولم يشترط إقامة نظام إسلامي أو ما يُوازيه بتماثل، وهو ما يجب توضيحه بالآتي: أن المرجع السيستاني لا يملك أصلاً مشروع دولة إسلامية وليس من اهتماماته أو طموحه باعتباره امتداداً طبيعياً للمدرسة النجفية الكلاسيكية فكيف ينادي بها؟ أقول هذا الكلام ليس بغرض الانتقاص منه بل هذا ما يُصرّح به وما تقوله أدبياته. فإذا كان السيد الخوئي قد رفض تسلم قيادة الانتفاضة الشعبانية في العام 1991 واقتصر تصدّيه لها شرعياً فقط وترك قيادتها السياسية، فكيف يُمكن تصوّر وجود مشروع دولة إسلامية لدى السيد السيستاني؟

في الختام، أقول إن العلاقات الإيرانية العراقية يجب ألا يعبث بها الدُخلاء من وراء المحيطات أو من يسير في مدارهم، لأن الجيرة الإيجابية والتداخل البيني هو الفيصل في ذلك

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 744 - السبت 18 سبتمبر 2004م الموافق 03 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً