رحل من دار الفناء إلى دار البقاء، رحل الشامخ في زمن الخنوع. رحل رجل الكلام في زمن الصمت. رحل ضمير الناس الناطق. رحل مرعب المفسدين. رحل ابن الوطن وأحد رموز الحركة الإصلاحية... رحل «ابن الوطن وكفى».
تكسّر السيفُ مذ زلت بك القدمُ
يا خيلَ عدنانَ مات الفارسُ العلمُ
ولم يستطيعوا النيل من هذا الطود الشامخ ولا من إيمانه الراسخ، ووطنيته الجامعة. هذا الإنسان العظيم الذي ضحّى بالكثير ولم ينتظر من أحد أن يضحي من أجله. هذا الرجل الذي أعطى الكثير ولم يأخذ من أحد. هذا الرجل الذي ناصر قضايا المواطنين ولم يفرق بين سني أو شيعي. في ذلك الوقت كان فخرو وحده في الميدان. وحده يرفض الظلم والاستبداد نهاراً جهاراً... وهكذا كان المجاهد عبدالله فخرو.
وكعادة المطبّلين والراقصين على أنغام الخمسة آلاف دينار، وتذاكر سفر السياحة والاستجمام، وأعمالهم الصبيانية المفارقة للجماعة والوحدة الوطنية الصريحة والصحيحة، قام هؤلاء الصبية المتلاعبون بمشاعر الناس وروّجوا وراحوا يطنطنون بكلمات من خلال هواتفهم النقالة (مسجات وكلمات مباشرة) بأنه تم إلغاء حفل التأبين، علّهم بذلك العمل الصبياني الطائش أن يبعثروا جهود الوطنيين الشرفاء الذين لا يبيعون مبادئهم بالمال أو الوعود الطائفية المقيتة أو المناطقية الضيقة. وحاول الكاريكاتورية (الثنائي الثقيل الطينة، أحدهم سميك الوجه وهو لا يستحي من القيام بأي شيء والآخر مستغل للحميّة الطائفية المناطقية الحاضرة) إحداث نوعٍ من البلبلة في مثل تلك الاحتفالية التأبينية للحاج المجاهد عبدالله فخرو، وذهبوا بفعلتهم أي مذهب، في مثل تلك المناسبة العظيمة، وحاولوا تفريق الجماعة.
وتصرف قابض «كوميشنات» المناقصات الصادرة عن الهيئات الرسمية المحلية والأهلية... ومن الأسر المنتجة الفقيرة، التي «يتبجح» بالمنّة والفضل عليهم «بتهريبه» عطورات من «دبي» في بعض المواسم «الفكاهية» التي يقيمها بين الفينة والأخرى حاشداً هو وأعوانه ومريدوه، من أتباع الطائفة والمنطقة، وبعض الغوغاء للكثير من الناس المعسرين وضائقي العيش وبعض المخدوعين ببطولات رفيقه الجوفاء، وحاول ومن خلفه زميله المهرج «أخو المناطقية» و«وليد الطائفية» الجديد المتلوِّن (أبوعنتر) في السير قدماً لضرب أسس إقامة الحفل التأبيني للمجاهد فخرو، وهم أعلم برأي والدنا المجاهد فخرو فيهم، وكيف كان يصمهم وأشباههم من دعاة المناطقية أو الطائفية المجددة لنشاطها اليوم. ولا يهمنا إطلاقاً المواقف السياسية المقاطعة أو المشاركة؛ بل الأهم والمهم، والهم الوحيد لدينا في مثل ذلك المقام هو الوحدة الوطنية الحقيقية. الوحدة التي تبني ولا تهدم. الوحدة التي تزرع الثقة بين الطوائف بعضها ببعض وبينها وبين الحكم، وتزرع الأمل للأجيال بإمكان التعايش السلمي بينها مستقبلاً.
إن هذه الأوبئة الضارة وغير النافعة، لا للحكومة ولا للتجمعات الوطنية المخلصة، ينبغي اجتثاثها من جذورها، فإنها تزرع بذور الفتنة، على رغم كلماتها التبجيلية عن الوحدة الوطنية من جهة وتعدّد لقاءاتها «التجسسية» على رموز الطائفتين الكريمتين من جهة أخرى، والتي نعلم أسرارها والثمن الذي تقبضه نظير أعمالها القذرة تلك.
حينما دعاني الأخ عيسى الحايكي لإدارة حفل تأبين «أبوالوحدة الوطنية» المجاهد عبدالله فخرو، وتلك ثقة أعتز بها، كنت اتمنى أن أكون من ضمن الحاضرين لأبكي الفقيد الراحل مرتين، الأولى على فقدان الساحة البحرينية لرجلٍ مثله جامع مانع، جامع للصفات الوطنية الصادقة، ومانع من كل الاختراقات التي حاول البعض «تمييعه» أو «تليين» مواقفه فيها. والثانية على واقع الناس في البحرين، ولكني أجبت دعوة الحايكي، وكلي أمل في الفوز بثواب هذا العمل حين انقلابي لرب رؤوف رحيم.
وما كنت أحسب حساب السياسيين والمتملقين والانتهازيين الذين راحوا وبشتى الطرق والوسائل ليقوّضوا الحفل التأبيني من خلال إشاعة مغرضة بأن الحفل ألغي، ولكن أراد الله أن يكون فخرو شامخاً في حياته وحين مماته وحين تأبينه في مأتم علي بن أحمد. أما «قابضو الكوميشنات» في المناسبات المختلفة، والراقصون بالكلمات على وتر الطائفية والمناطقية فقد خاب فألهم وانتحس ليلهم وأظلم، وشربوا من علقم ما عصرت أيديهم بحضور لفيف من رجالات العمل الوطني من مختلف المشارب والمدارس الفكرية المتعددة في الوطن. وعن قريب سيتكشف للناس جبن هؤلاء، وتسقط ورقة التوت الأخيرة عنهم ويلفظهم الشعب البحريني كما تلفظ كبد الأحرار الجيفة المنتنة. وأما سلوانا ففي سيرة الفقيد الراحل الذي عاش لكل البحرينيين وانتمى إلى كل المواطنين. وفي الرائعة الوطنية التي دشنها الباكر والعليوات والشملان وفخرو والموسى وإخوانهم سلوى... وايما سلوى في تلك الذكرى، للوطنيين الأحرار والشرفاء الأخيار
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 744 - السبت 18 سبتمبر 2004م الموافق 03 شعبان 1425هـ