ربما لم يخطر ببال الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، أن يتحول سؤاله «من أين لك هذا؟»، إلى مشروع قانون في دول، وقانون صارم في دول أخرى، ينقسم حوله الإصلاحيون والانتفاعيون بين دافع فيه ورادٍ له، فكان ان سأل صاحب الشفافية والإصلاح مَن تظهر عليه البحبوحة المفاجئة: «من أين لك هذا؟»، رد عليه الآخر: «هذا من فضل ربي».
إن أهم القصص وأكثرها رواجاً وفجيعة في مجتمعنا، تلك التي تدور حول متنفذين متعددي الاتجاهات والوظائف والانتسابات، الذين أثروا باستخدام ما لديهم من قوة، أو ما لأسمائهم من رنة تصم الآذان، فكان الدخول في المشروعات «النصف بالنصف»، أو النسب المئوية، أو أخذ «هدايا» بعشرات الآلاف من الدنانير لقاء تمرير معاملة أو إقامة مشروع ما... بعض هذه القصص لا تتحدث عن هؤلاء «المتنفذين»، بل أيضاً عن مديري مكاتبهم ومن يعملون لهم وباسمهم، الذين يستمدون سلطتهم من سلطة من يعملون له، وبالتالي تتسع دوائر الفساد المالي، وتضيق المشروعات، وتهرب الاستثمارات، ويروج عن البلد ما لا يحب أي غيور أن يسمعه عنها، على رغم علمه بتفاصيل أكثر بشاعة وأشد وطأة. والحال، أن الكثير من الناس - ربما لفرط يأسهم وابتعادهم أو إبعادهم عن المشاركة في صنع القرار سابقاً - ليست لديهم حيلة إلا تصديق كل هذه القصص، والترويج لها، ولا ندري هل كل ما يقال صحيحاً، وما نسبة الصحة من الوهم والخيال منه.
إن الناس اليوم يريدون أن يروا حركة تمارَس في شأن من أساءوا إلى المال العام، ليس بإقصائهم عن مواقع العمل وحسب، بل ومحاسبتهم بالرجوع إلى أصل حساباتهم وما يملكون قبل المناصب وبعدها، فيرجعون للدولة والناس ما أخذوه من غير وجه حق.
عندما حاسب عمر واليه على مصر عمرو بن العاص لما سمعه من تنامي ثروته، ورد ابن العاص بأنه عمل في ما يعمل فيه الناس، كتب إليه: «فإني لست من تسطيرك الكتاب، وتشقيقك الكلام في شيء، ولكنكم قعدتم على عيون المال، ولن تعدموا عذراً وإنما تأكلون النار، وتتعجلون العار، وقد وجهت إليك محمد بن مسلمة فسلّم إليه شطر مالك»
إقرأ أيضا لـ "غسان الشهابي"العدد 743 - الجمعة 17 سبتمبر 2004م الموافق 02 شعبان 1425هـ