العدد 743 - الجمعة 17 سبتمبر 2004م الموافق 02 شعبان 1425هـ

تلدين الصقر أم الحمامة يا واشنطن؟!

في أهم تحليل لهوية جنين

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

هل تسقط الصقور من أعشاشها العالية؟ أم تبقى تنشر الديمقراطية بالقوة؟ أم تأتي حمامات السلام، لنتعرف على فصيل جديد، له سياسته الخاصة في دمقرطة العالم؟ وأيهما نحتاج تحديداً؟ لأول مرة منذ أكثر من 70 عاماً لا تكون فيها آراء العرب كمتابعين للانتخابات الأميركية مرتبطة بمواقف المرشحين تجاه القضية الفلسطينية، فهل تغيّرت المعادلة فأصبحت القضية الفلسطينية تاريخاً لا يهم، أم أنها حوادث جديدة جعلتنا داخل الصندوق الانتخابي لا مراقبين له؟

لعلها أصعب انتخابات أميركية، وصعوبتها على الأميركيين ليست حالاً مفردة، فهي أول انتخابات أميركية تشارك بها جميع الأمم، كما قالت «ليموند» الفرنسية يوم الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول: «كلنا أميركيون»، فإننا نقول في هذه الانتخابات «كلنا منتخبون»، فكل لديه رأي خاص في انتخاب أحدهما بوش «الصقر» أو كيري «حمامة السلام»، كما يسميه بعض الإعلاميين العرب! ولا نستطيع أن نخفي رغبتنا الجادة في فوزه، لماذا؟ لأننا معنيون بهذا جميعاً وليس الأميركيون وحدهم. إلا انهم من سيذهبون لصناديق الاقتراع، ونحن «الشرق الأوسط» من سيتعامل فعلاً مع نتائج من ينتخبون.

السياسة الخارجية محور الصراع، والمحافظون الجدد هل يبقون في مكاتبهم التي يتمركزون فيها وخصوصاً لدى نائب الرئيس ديك تشيني؟ أم يحزمون أمتعتهم خارجاً؟ عشرات الآلاف كانوا يتظاهرون خارج مقر المؤتمر الجمهوري بنيويورك، تنديداً بسياسة بوش. اعتقد لو أن الديمقراطيين اختاروا مرشحاً اكثر إقناعاً على صعيد الأمن القومي، لكانت النتيجة محسومة منذ الآن. إلا أن حظوظ بوش مازالت قوية في البقاء رئيسا للولايات المتحدة، على رغم قناعتي الخاصة بأن نجاح أي منهما لا يعد مفاجأة.

إن التوقيت المهم هو منتصف الشهر الأخير من بدء الانتخابات، إذا ما كان بوش يمتلك اكثر من 49 في المئة، فهو باق كرئيس لأقوى دولة في العالم، بل إن برنامجه المقبل سيكون أكثر حزماً، فليست لديه دورة ثالثة ينتظرها، ولربما كانت شهية المغامرة عادة تجتاح هذا الرجل بقوة، وإلا فهو الرجل المغامر الذي ادخل أميركا في حربين، وصنع لها أعداء لم تكن بحاجة إليهم، وهو بهزيمته يدفع ضريبة فشله، ويعيد تاريخ أبيه، فتكون لعنة أصابت العائلة، بل انه يكون قد سد الطريق على أخيه الذي ينتظر دوره في الرئاسة، وكأن التوارث الرئاسي في أميركا أصبح عدوى عربية.

«توقف الاعتماد على النفط من منطقة الشرق الأوسط وخصوصاً الدول الخليجية» لعله أبرز العناوين التي أطلقها قطبا الصراع في الانتخابات الأميركية، المرشح الديمقراطي كيري نوه إلى انه سيقوم بإضافة اعتمادات مالية كبيرة لمؤسسات البحث العلمي، وخصوصاً فيما يتعلق بمجال الطاقة، مؤيداً استخلاص مصادر طاقة جديدة تنتج من الولايات المتحدة ذاتها، من دون الاعتماد على الخارج.

عملياً من المستحيل أن تجازف الأصوات الانتخابية الأميركية بالتصويت لهذه الرؤية، وهذا ما المح إليه بعض المتحدثين في المؤتمر الجمهوري في ثاني أيامه، كما أن الاهتزاز الواضح لتاريخ كيري حيال حرب فيتنام له تأثيره السلبي على صورته، وخصوصاً مع محاولة بوش إبداء تعاطفه الكبير مع كيري في هذه المسألة، ودعوته إلى عدم إثارة هذا الموضوع.

كيري يراهن كثيراً على ما يجري الآن في العراق، يرى أنها أقوى أوراقه التي يلعب بها ضد بوش، ونراه يركز على هذه الورقة، وهي فعلاً ورقة يدفع الجمهوريون ثمنها باهضاً، إذ إن التيار المعتدل في الحزب الجمهوري أوضح على استحياء عدم ترحيبه بقبول تشيني «مهندس الحرب على العراق» نائباً للرئيس في هذه الدورة الرئاسية الجديدة. إلاّ ان كيري لم يتجرأ حتى اليوم على طرح برنامجه للعراق صراحة، أو انه لا يمتلك برنامج عمل جاهز للأزمة العراقية.

كيري لو وصل إلى البيت الأبيض لن يكون متساهلاً حيال الإرهاب، وهذا ما حاول إيضاحه، فهو أكثر عداء مع أنظمة الخليج من بوش، كما انه سيحاول رد شبهة الضعف بتحرك عسكري ولو كان بسيطاً، ونحن طبعاً من سيدفع الثمن.

وزير الخارجية الأميركي في تعليقه على أن العراق فيتنام أخرى قال: «ان بوش نجح في العراق، إذ لا توجد حرب في تاريخ العالم انتهت بالعدد البسيط الذي انتهت به حرب تحرير العراق».

ولا يمكن حسم الأمر في الانتخابات الأميركية قبل شهر من الآن، تاريخياً الأميركيون في جميع الحالات التي صادفت عملية انتخابهم للرئيس حدثاً عالمياً مهماً كانوا يبقون على رئيسهم ذاته، وهذه نقطة لصالح بوش، عملية إعادة الانتشار للقوات الأميركية في أوروبا أعطت بوش بالتأكيد أصوات قدامى المحاربين، بالإضافة إلى شريحة لا بأس بها من عائلات الجنود الأميركيين.

طبعاً، يأتي ثقل الجمهوريين في العاملين بقطاع التجارة والاقتصاد، والتعديلات الأخيرة في الضرائب الأميركية لعبت دوراً لا بأس به، إلا انه منذ الحرب العالمية الثانية لم تكن موضوعات السياسة الخارجية محور الحسم الانتخابي كما هي اليوم. العرب حسموا أمرهم إذ أرسلوا لمؤتمر الحزب الديمقراطي 45 مندوباً، بينما لم يرسلوا سوى 15 لمؤتمر الجمهوريين، في إعلان نهائي عن دعمهم لحمامة السلام المرتقبة «كيري».

اتخذ العرب موقفهم ضمنياً مع كيري، وما لم يؤخذ بالحسبان هو أن «حمامة السلام» (كيري) قد يكون أكثر عنفاً من الصقر، ولو على صعيد «انظروا أنا لست جباناً كما اتهموني في فيتنام».

كاتب بحريني

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 743 - الجمعة 17 سبتمبر 2004م الموافق 02 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً