العدد 743 - الجمعة 17 سبتمبر 2004م الموافق 02 شعبان 1425هـ

هدنة للتفكير

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هل يعود التوتر إلى العلاقات الدولية بعد هدوء نسبي شهدته أروقة الأمم المتحدة بين الدول الكبرى؟

من الصعب الإجابة عن السؤال الآن، ولكن هناك إشارات ترجح احتمال تلبد الأجواء الدولية على إثر الاستفزازات السياسية التي صدرت حديثاً عن الإدارة الأميركية. فالإدارة كما يبدو أصبحت مطمئنة إلى وضعها الداخلي بعد نجاح حملة الحزب الجمهوري في تخويف الناخب الأميركي وتوتير مزاجه السياسي ودفعه نحو تغليب الجانب الأمني على الاقتصادي في التصويت لرئاسة الولايات المتحدة.

لاشك في أن واشنطن نجحت في فترة الهدوء النسبي في تجميع بعض الأوراق التي تعزز نظرتها الاستراتيجية في مكافحة الإرهاب. واستفادت إدارة البيت الأبيض من تلك العمليات المشبوهة التي نفذتها مجموعات مجهولة الحسب والنسب ضد المدنيين في العراق ومدرسة الأطفال في بيسلان، فأسهمت مجموعات الحمقى في تكتيل الموقف الدولي ودفع فرنسا وألمانيا وروسيا وإلى حد ما الصين إلى مسايرة وجهة النظر الأميركية.

وجدت واشنطن في تلك العمليات المشبوهة فرصة سياسية لكسب بعض الاحترام الدولي وسارعت في تلك الهدنة النسبية إلى استصدار أكثر من قرار لمصلحة توجهاتها. ونجحت في كسب أكثر من ورقة منها القرار الذي صدر عن مجلس الأمن بشأن إقليم دارفور في السودان، والحقته بقرار آخر (1559) يتعلق بالوجود السوري في لبنان مستفيدة من عملية التمديد للرئيس الحالي. وبناء على هذا التطور الذي سمح للرئيس جورج بوش بتجميع الأوراق (السودان ولبنان) وتجميع النقاط لمصلحته في معركته مع جون كيري عاودت واشنطن إلى شن هجوم معاكس على القوى الكبرى مستغلة أجواء الهدنة وحاجة فرنسا وروسيا إلى الدعم الأميركي.

بدأ الهجوم الأميركي المعاكس بتوجيه ملاحظات نقدية من مسئولين في البيت الأبيض تتوجت بمخاوف أعرب عنها الرئيس بوش ضد تلك الإجراءات الإدارية التي اتخذها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد المجزرة التي ارتكبت بحق الأطفال في مدرسة بيسلان. رد الرئيس بوتين على تلك الملاحظات السلبية واعتبرها بداية عودة أميركية للتدخل في شئون روسيا. مؤكداً في رده حق روسيا في اتخاذ الإجراءات المناسبة لحماية حدود دولته وأمنها الداخلي وبالتالي فإن ملاحظات الإدارة الأميركية غير مقبولة وخصوصاً أن الولايات المتحدة أعطت لنفسها الحق في اتخاذ إجراءات أكثر صرامة في بلادها وشرّعت لنفسها تنظيم حملات عسكرية في العالم بذريعة مكافحة الإرهاب. بعد الرئيس بوتين جدد الرئيس الفرنسي جاك شيراك انتقاداته السابقة لغزو العراق، معتبراً أن احتلاله فتح «أبواب جهنم» وزاد من عمليات الإرهاب وأسهم في زعزعة الاستقرار في منطقة «الشرق الأوسط».

وبعد الرئيس شيراك جاء دور الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان الذي وصف غزو العراق بأنه خطوة غير شرعية ومخالفة للقوانين الدولية، وأنه بات الآن على مجلس الأمن تشريع الاحتلال حتى يوقف ذاك الانهيار الذي أصاب الدولة وأطلق شرارة العنف في المنطقة.

وبعد عنان شن مفوض الخارجية في الاتحاد الأوروبي كرس باتن حملة على السياسة الأميركية في العالم وأوروبا والعراق، معتبراً أن مجموعة «المحافظين الجدد» ارتكبت سلسلة أخطاء زادت من توتير العلاقات الدولية ورفعت من نسبة الإرهاب والعنف وبات العالم الآن أسوأ مما كان عليه قبل ثلاث سنوات. وطالب باتن تلك المجموعة (المحافظون الجدد) بالإقلاع عن سياسة توزيع الدروس على الاتحاد الأوروبي وادعاء الزعامة على أوروبا والعالم.

كل هذه التشنجات الدولية تشير إلى انتهاء فترة الهدوء النسبي التي شهدتها علاقات الدول الكبرى على إثر تعرض رعايا «دول الضد» لعمليات خطف وقطع رؤوس واحتلال مدرسة للأطفال ارتكبتها مجموعات لا يعرف من يمولها ويشجعها ويفتح لها الأبواب.

إلا أن الأمور لم تتدهور إلى حد عودة التوتر مجدداً بين الأطراف الدولية كما كان عليه الأمر في فترة تحضير واشنطن لحربها الخاصة على العراق. فالهدوء النسبي تقلصت مساحته بعد أن عاد بالفائدة على بوش داخلياً (تحسن وضعه الانتخابي) وخارجياً (كسب ورقتين دوليتين تتعلقان بالسودان ولبنان) إلا أنه لا يعني عودة الأجواء الدولية إلى التوتر مجدداً. فالعاصفة مرت والدول الكبرى (وعلى رأسها الولايات المتحدة) أرهقت ولم يعد بإمكانها الاستمرار في التصادم اللفظي في وقت يتجه العالم نحو المزيد من الاضطراب والعنف. إنها لحظة تفكير ومن يفكر كثيراً يكتشف فعلاً تلك الكارثة التي سببتها مجموعة «المحافظين الجدد» للولايات المتحدة والعراق وربما أوروبا وروسيا

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 743 - الجمعة 17 سبتمبر 2004م الموافق 02 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً