في نهاية العام الماضي قدمت مؤسسة «ماكينزي» دراسة مفصلة عن سوق العمل البحرينية قالت فيها إن البحرين تواجه تحديات كبيرة خلال الأعوام العشرة المقبلة، وان إصلاحات جذرية يجب أن تتخذ بسرعة قبل أن يتفاقم الأمر ويصل إلى حد تصعب معالجته.
المشكلة التي طرحتها «ماكينزي» في ديسمبر/ كانون الأول الماضي تتلخص في أن مئة ألف بحريني سيدخلون سوق العمل خلال السنوات العشر المقبلة حتى العام 2013، وان القطاع العام تشبّع ولم يعد ينتج وظائف، والقطاع الخاص ينتج وظائف ولكنها في الغالبية متدنية الدخل ولا يستطيع فيها البحريني منافسة الأجنبي، ولذلك فإنه من الممكن أن يقبل علينا العام 2013 وفي البحرين ستون أو سبعون ألف عاطل عن العمل.
النموذج الحالي للقطاع الخاص مؤسس على أساس مقارنة الدخل الذي يحصل عليه الأجنبي بمستوى المعيشة في مناطق فقيرة مثل «مومبي» الهندية، وبما أن البحريني لا يعيش في «مومبي» فإنه لا يستطيع القبول بالمعاش المتدني الذي يقبله العامل المستجلب من تلك المنطقة.
التوسع في سوق العمل خلال السنوات المقبلة سيتركز فقط في القطاع الخاص، ولكن القطاع الخاص غير مصمم للبحريني، وإنما للعامل الأجنبي، ولذلك فإن شركات التوظيف ما هي إلا شركات استيراد للأيدي العاملة الرخيصة، ذلك لأن ثلثي الأعمال في القطاع الخاص هي لأصحاب الأجور المنخفضة (أقل من 200 دينار شهرياً).
دراسة ماكينزي تقول إن متوسط دخل البحريني في القطاع الخاص انخفض ما بين العام 1995 والعام 2002 من 420 ديناراً شهرياً إلى 352 ديناراً، وإن متوسط المعاش سينخفض في العام 2013 (بالنسبة إلى البحريني) إلى 315 ديناراً. بمعنى آخر ان الذي توظف في العام 1990 سيحصل على معاش أكثر من الشخص الذي توظف في العام 2013 بمقدار 27 في المئة. وفي الوقت الذي ينخفض فيه معاش البحريني تزداد كلفة المعيشة، وبالتالي فإن العاملين البحرينيين سيكونون في الغالب أصحاب دخل ضعيف، بينما سيكون لدينا قرابة ستين (أو حتى سبعين) ألف مواطن من دون عمل، وهذا يعني أن نسبة البطالة سترتفع من قرابة 15 في المئة حالياً إلى قرابة 35 في المئة في العام 2013.
ولكل هذه الأسباب وغيرها، فقد أصبح من الضروري معالجة المشكلة بصورة جوهرية بحيث يكون البحريني هو الشخص المفضل للتوظيف في القطاع الخاص، وأن يكون معاشه الشهري يتناسب مع متطلبات الحياة. ولكن مثل هذا الإصلاح يتطلب وعياً جماعياً واتفاقاً على قضايا جوهرية وتضحيات من مختلف الأطراف لكي نستقبل العام 2013 والبحرين ليس فيها 60 أو 70 ألف عاطل عن العمل.
الحديث أسهل بكثير من التطبيق، لأن سوق العمل بحاجة إلى تغيير هيكلي. فالعامل الأجنبي أرخص من البحريني. فالبحريني الذي يكلف صاحب العمل 290 ديناراً يمكن استبداله بأجنبي يكلف فقط 150 ديناراً، وفي الوقت ذاته فإن الأجنبي ليست له حقوق ومطيع، ولا يستطيع أن ينتقل إلى عمل آخر من دون رخصة الكفيل (صاحب العمل)، ويمكن إنهاء خدماته متى ما شاء الكفيل، بينما لا يمكن لصاحب العمل التخلص من المواطن بسهولة، كما ان انتاجية المواطن قد تكون أقل من الأجنبي.
برامج البحرنة التي أطلقتها الحكومة منذ أكثر من ثلاثين عاماً أصبحت أكثر من فاشلة، بل أصبحت سبباً لانتشار سوق سوداء في العمالة الأجنبية وفي انتشار ظاهرة بيع البطاقات السكانية بحيث أصبحت الإحصاءات المتوافرة رسمياً مشوهة وغير دقيقة.
الحلول ليست مستحيلة، بل انها مجربة في أماكن عدة، ولكن الحل الاقتصادي يتطلب حركة مجتمعية متكاتفة من الجميع، وهذه الحركة تتطلب إدراكاً بحجم المشكلة واتفاقاً على خطوات الإصلاح الجذري ومن ثم تنفيذ الإصلاح بعزيمة لا تلين... وهذا ما نأمل المشاركة فيه جميعاً مع اقتراب طرح الأفكار لحل المشكلة خلال الأيام القليلة المقبلة من خلال ورش العمل التي سيشرف عليها سمو ولي العهد بنفسه
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 743 - الجمعة 17 سبتمبر 2004م الموافق 02 شعبان 1425هـ