أسباب الهوة الكبيرة بين التقليد والتجديد متعددة منها:
1 - البنية الأبوية للأسرة العربية بما فيها من تسلط أبوي في حجب المرأة عن الحياة العامة، فيتحكم الأب بمصيرها وفي دراستها وفي زواجها ومنعها أو السماح لها بالخروج من البيت، حتى جواز السفر لا تستطيع الحصول عليه من دون إذن الأب أو الزوج، حتى يصل الأمر إلى استباحة دم الفتاة إذا أساءت سلوكها.
2- التخلف الثقافي، فهناك ثقافتان: ثقافة الذكر وثقافة الأنثى، وتنعكس هذه الثقافة على أدوار المرأة ووظائفها ومركزها الاجتماعي، كعملية التعليم مثلاً فلايزال تعليم الإناث يخضع في كثير من الأحيان إلى اعتبارات اجتماعية تقليدية تجعل من التعليم مجرد أمر شكلي، لتلبية تطلعات الأسرة إلى الحصول على الزوج المناسب، وليس من أجل أن تشترك المرأة في الانتاج وتحقق ذاتها من خلال عمل تحبه. من هنا فإن أبواب المدارس فتحت في وجهها ولم تفتح أبواب الثقافة والحياة.
3 - التنشئة الاجتماعية لها تأثيرها كذلك، إذ تبقى الفتيات قاصرات في نظر أوليائهن مهما بلغنَ من العمر، كما يربين على الخضوع التام لمجتمع الكبار والأعراف الجمعية، من دون إدراك لأبعادها أو وضعها موضع التساؤل.
4 - العادات والتقاليد: مسألة التزاوج بين الحضارة المادية والغربية والثقافة العربية لم تناقش جدياً، علماً بأن تجاربنا بعد انقضاء قرن من الزمان على عصر النهضة، تدل على أن التحديث التقني يبقى دون جدوى، طالما لا يتم تحديث العقل العربي وتحرره من قيود العادات والتقاليد الموروثة ومن الأعراف والتقاليد الجمعية التي لم تعد تماشي التطور، وإن الأعراف العامة والثقافات الموروثة، خصوصاً ما يتعلق منها بالمرأة، هي التي تنظم قضايا الزواج والطلاق والمهر، والشرف والعرض. ونستدل منها على النسق القيمي المتسم بالثبات النسبي. إن المرأة عورة، والعورة شيء حرام ومقدس، وبما أنها ترمز إلى شرف الجماعة، فإنها تخضع لرقابة الرجال، وبحكم ذلك فإن بعضاً من هذه القيم مطلقة أو فوق زمانية وفوق مكانية، ولهذا تبقى المرأة تحت الوصاية الأسرية ويكون همّ الأسرة الوحيد زواجها.
وتقاس منزلة الرجل بمقدار دفاعه عن الشرف. وهذه القيم فوق الزمانية قيم أساسية في حياة المرأة والمجتمع. كما تقاس منزلة المرأة بقيمة زوجها أو أبيها الذي يؤيد نوع المركز الاجتماعي لها.
وإلى جانب ذلك فإن المركز القانوني للمرأة حتى في حال المساواة مع الرجل أمام القانون، غالباً ما تقع التفرقة بينهما في شغل الوظائف العامة على صعيد الواقع. ومن جهة أخرى فإن القوانين غالباً ما تحتوي الأعراف والعادات، وهذه قلّما تنصف المرأة. ويتعين علينا أن نشير أخيراً إلى أن الحركات السياسية العربية المعاصرة لم تحفل بقضايا المرأة، كما لم تلعب الحركات النسائية دوراً يذكر.
ويضع أستاذ علم الاجتماع في تونس أحمد عرابي، بعض الحلول والاقتراحات المهمة عن المرأة والتنمية، أهمها:
أ - إتاحة فرص التعليم والتأهيل والتدريب المهني أمام المرأة ومساواتها بالرجل في الحقوق والواجبات.
ب - تعديل قوانين العمل والأحوال الشخصية بشكل يضمن حقوقها فعلاً لا شكلاً، فالمساواة الشكلية ليست مجديةً ما لم يصاحبها تغيير الوعي والعقل الجمعي إزاء قضايا المرأة.
ج - إعادة النظر في أنماط التنشئة الاجتماعية الموروثة ومضامينها وتطويرها بشكل يؤدي إلى تنمية قيمة الإنسانية في الذكور والإناث، وعلاقات الاحترام المتبادلة بينهما. كذلك تنمية الطاقات والقدرات العقلية للجنسين، وتخليص المرأة من الوصاية الاجتماعية، إذ لابد من أن يصبح وعيها وعقلها وعلمها الرقيب عليها.
د - إلغاء الازدواجية في دور الأسرة والمدرسة في التنشئة الاجتماعية حتى يكمل بعضهما بعضاً من دون أن يتناقضا. فمازالت الأسرة أداةً لنقل القيم والتقاليد الموروثة في حين أن المدرسة أداة للتجديد، ولهذا تتعين معالجة هذه الازدواجية وتوحيد النسق القيمي الاجتماعي وربط التعليم بحاجات المجتمع.
هـ - إعادة النظر في المناهج المدرسية والتعليمية وتحديث المناهج بشكل يؤدي إلى إزالة العقبات التي خلفتها المناهج التقليدية بالنسبة إلى المرأة، وفتح أبواب العمل والعلم في وجهها.
و - يتعين على وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري أن تلعب دوراً في توعية المرأة والرأي العام، وذلك من خلال إقامة الندوات والبحوث عن المرأة، وبيان دورها الاجتماعي
العدد 742 - الخميس 16 سبتمبر 2004م الموافق 01 شعبان 1425هـ