يقول الكاتب محمود السعدني في كتابه «عودة الحمار» ص 76: «أعرف وزيراً عربياً في العالم الحميري استقال من منصبه واتخذ مكتباً خاصاً، وأخذ معه جميع أفراد مكتبه وكان كبيرهم بدرجة وكيل وزارة والآخرون بدرجة مدير عام، وكان عددهم حوالي عشرة موظفين، وقضوا أكثر من ثلاث سنوات يديرون مكتب الوزير المستقيل، ولكنهم يتقاضون مرتباتهم من خزانة الوزارة التي كان يشغلها. ليس هذا فقط، ولكن الوزير المستقيل أخذ معه أسطول السيارات الحكومي الذي كان مخصصاً للوزارة وظل معه حتى النهاية، السيارات والسائقون وحتى البنزين كان يصرفه ببطاقات حكومية». يضيف السعدني قائلاً: «أعرف أيضاً رئيس وزارة حميري عندما ترك منصبه أخذ معه خمس سيارات بالسائقين، وظلوا معه حتى توفاه الله»... حقيقة، لا أعرف ما قصة تولع كاتبنا الساخر محمود السعدني بالحمير، لكني لا أتعجب... فمظفر النواب هو الآخر مولع بهكذا وصف، عندما يريد أن يعبّر عن الفساد، هذا الغول الذي يذبح الضعفاء. ألم يقل وهو يصف هذا الحزن الممتد على طول طريق العالم العربي:
«فالكلبة حتى الكلبة تحرس نطفتها
والنملة تعتز بثقب الأرض أما أنتم لا تهتز لكم قصبة».
ويبقى سؤال صريح: لماذا يبقى سارق المال العام لا تهتز له قصبة؟... لا يعتز بمن حوله، لا شيء بسيطاً يفعل لغياب الضمير وغياب الرقابة...
دعونا نحلق مع كاتبنا الشهير علي شريعتي، فهو الآخر كتب كتاباً جميلاً أسماه «النباهة والاستحمار» يعكس فيه صورة غباء ذاك المجتمع الذي يترك الأمور المهمة ويتلهى عن القضايا المصيرية...
أما نزار قباني فهو مولع بتكرار لفظة «البرسيم» و«الجاموسة»، ليصف رداءة العالم العربي وكتب فيه قصيدة أسماها «متى يعلنون وفاة العرب». يقول نزار في قصيدة «تقرير سري جداً» من بلاد قمعستان:
«من أجل هذا أعلن العصيان
باسم الجماهير التي تجلس كالأبقار
تحت الشاشة الصغيرة
باسم الجماهير التي تركب كالبعير
من مشرق الشمس إلى مغربها
تركب كالبعير
وما لها من الحقوق غير حق الماء والشعير».
كتابنا... أدباؤنا... كلهم مولعون بتوصيف الحال بالحيوانية، فذاك أحمد مطر شاعرنا يقول: «لو قيل للحيوان كن بشراً هنا لبكى وأعلن رفضه الحيوان».
فعلاً، الفساد المالي والإداري يخرج الإنسان عن توازنه فتصبح حروفه حروفاً لا تخرج عن هذه الدلالات.
نحن في البحرين، تغيّر واقعنا ولو لِماماً، بدأنا نشعر بالحرية، نشعر بالكرامة ولو بجزء منها... علينا أن نحافظ على هذا الجزء وندفع باتجاه الحصول على المزيد من هذه الكرامة، ولكن ذلك لا يكون إلا بتلاحم الجميع... بترسيخ مبدأ تكافؤ الفرص ومبدأ من أين لك هذا؟ جناحان بهما يطير الوطن، ولكن عندما ننصف الوطن بعيداً عن الطائفية أو العرق أو المذهب... بالوحدة الوطنية التي لا تعرف المجاملات.
أديبنا الكبير محمد الماغوط كان يردد في مقابلته الأخيرة: «أيها اللبنانيون، الطائفيون منكم والعلمانيون والماديون والروحانيون... تمسكوا بما بين أيديكم من أطلال حرية عربية... تمسكوا بكعب حذاء الحرية المتبقي لكم، فهو خشبة الخلاص...»، أقول: ليت قومي يجتمعون على شيئين اثنين: مبدأ تكافؤ الفرص ومحاربة الفساد. ليتنا نقيم مؤتمراً لمادة واحدة هي: «لا يجوز للوزير أثناء توليه الوزارة أن يتولى أية وظيفة عامة أخرى، أو أن يزاول، ولو بطريق غير مباشر، مهنة حرة أو عملاً صناعياً أو تجارياً أو مالياً، كما لا يجوز أن يسهم في التزامات تعقدها الحكومة أو المؤسسات العامة أو أن يجمع بين الوزارة والعضوية في مجلس إدارة أية شركة إلا كممثل للحكومة، ومن دون أن يؤول إليه مقابل لذلك. ولا يجوز له خلال تلك المدة كذلك أن يشتري أو يستأجر مالاً من أموال الدولة ولو بطريق المزاد العلني أو أن يؤجرها أو يبيعها شيئاً من أمواله أو يقاضيها عليه» (مادة 48 من الدستور ص 37). ما رأيكم أن نجمع المعلومات والوثائق عن مدى مطابقة هذه المادة للواقع؟ ألا تعتقدون أن ذلك أفضل لدعم الإصلاح والمشروع الإصلاحي؟
لماذا لا نعمل لجرجرة أي وزير، إذا كان لا يطبق هذه المادة؟ لاشك أنكم لا تريدون شرهاً حيوانياً للفساد، أليس كذلك؟ إذاً، تعالوا نعمل، ولكن لا تنسوا أيضاً الحيوانية التي يتكلم عنها السعدني في توصيفه لبعض الكتاب في مصر وأيضاً من جاءوا هنا ليزايدوا على وطنية الناس.
أقول: بحرينياً... كان الفساد ينخر بعض مؤسساتنا، بعد الإصلاح بدأنا نتنفس الصعداء... نوقف فساداً هنا أو هناك... لم نبلغ الطموح، ولكن أعتقد أن جزءاً غير صغير من الفساد توقف... قد يزيد في مواقع أخرى. تسأل: متى يزيد؟ أقول: عندما تغيب رقابة البرلمان ورقابة الصحافة ويصمت الناس. علينا ألا نيأس ولنجتمع على بناء دولة الإنسان والقانون والعدالة الاجتماعية
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 741 - الأربعاء 15 سبتمبر 2004م الموافق 30 رجب 1425هـ