يستعد الرئيس الأميركي جورج بوش لخوض معركته الرئاسية الثانية في وقت ترجح استطلاعات الرأي فوزه في حال استمر الناخب يميل إلى إعطاء الأولوية في اهتماماته للجانب الأمني. وفي حال فوز بوش برئاسة ثانية تكون الإدارة الأميركية نجحت في التغطية على فشل الرئيس في الجوانب المتعلقة بالاقتصاد، وكسبت معركتها الداخلية في تجييش الرأي العام للوقوف بجانبها في الحرب العالمية ضد ما تسميه الإرهاب الدولي.
عادة يميل الناخب الأميركي إلى تقديم الاقتصاد على السياسة، ويفضل أن يعطي صوته للمرشح الذي يعده بالمزيد من التقدم على مستوى تحسين معيشته وتلبية حاجاته الاستهلاكية. إلا أن هذه العادة تراجعت في الحملة الانتخابية الحالية في وقت تشير كل الإحصاءات إلى انزلاق الاقتصاد الأميركي إلى هاوية قد تجر البلاد إلى كوارث واضطرابات محلية. فالتقرير الأخير الذي صدر عن خبراء في «صندوق النقد الدولي» حذر من زيادة الطلب على الاقتراض من الخارج بسبب العجز المتزايد في ميزان المدفوعات الناجم عن تذبذب سعر الدولار وارتفاع أسعار النفط. ويرى الخبراء أن ازدياد الطلب على الاقتراض سيؤدي إلى تداعيات سلبية داخل أميركا، إذ ستضطر الإدارة إلى رفع الفائدة على الدولار، الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة الركود وارتفاع البطالة وتقويض الثقة بالاقتصاد وهروب المستثمرين.
الحال الاقتصادية في الولايات المتحدة لا تشجع على الاطمئنان كما حذر خبراء صندوق النقد. فالإنفاق على الدفاع وكلفة الحروب دفعا العجز إلى مستويات قياسية وخصوصاً في الميزان التجاري، إذ تتسع الفجوة شهرياً بين الصادرات والواردات. مثلاً، بلغ العجز التجاري في يونيو/ حزيران الماضي 55,80 مليار دولار مقابل عجز بلغ 46,90 مليار دولار في مايو/ أيار. كذلك ارتفع العجز في مايو 7,7 مليارات عن ابريل/ نيسان الماضي، وهو أكبر عجز تجاري سجل في شهر واحد منذ فبراير/ شباط 1999. وفي الشهر الماضي تراجعت الصادرات بنسبة 4,3 في المئة ليصل مجموعها إلى 92,8 مليار دولار، بينما قفزت الواردات بنسبة 3,3 في المئة لتصل إلى 148,6 مليار دولار.
كذلك نمت الفجوة بين الصادرات والواردات مع نمو عجز الموازنة الاقتصادية الاتحادية حين ارتفع إلى 445 مليار دولار في نصف السنة الجارية وهو العجز الأعلى منذ عقود. فمثلاً بلغ عجز موازنة 2003 أكثر من 374 ملياراً، وترجح التقديرات أن يبلغ عجز موازنة 2004 التي تنتهي في سبتمبر/ أيلول الجاري قرابة 450 مليار دولار.
وجاء ارتفاع العجز في وقت سجل النمو العام انخفاضاً من 4,7 إلى أقل من 3 في المئة، بينما بلغ معدل البطالة 5,5 في المئة في العام 2004. ودفع هذا التخبط الاقتصادي الحزب الديمقراطي إلى اتهام بوش بالتبذير وإنفاق المال على الحروب، وبأنه حوّل خلال ثلاث سنوات الفائض في الموازنة إلى عجز قياسي بسبب سياساته الفاشلة.
إلا أن الخطر الأكبر الذي يحذر منه خبراء الاقتصاد هو لجوء الإدارة إلى اعتماد سياسة القروض لسد العجز في الموازنة وردم الهوة بين الواردات والصادرات. فمثلاً، بلغت الديون في أغسطس/ آب الماضي نحو 7,3 تريليونات دولار. وتوقع الخبراء أن تصل أميركا إلى الحد الأقصى للاستدانة في سبتمبر الجاري، وتحتاج الخزانة لتسديد نفقاتها في الشهور الثلاثة المقبلة إلى الاستدانة من الخارج لمبلغ يقدر بنحو 89 ملياراً. ويبدأ الخطر البنيوي على الاقتصاد حين يزداد الاتكال على الديون الخارجية وتضعف السيطرة عليها، الأمر الذي يهدد معدل النمو المحلي وربما يؤدي إلى نوع من الركود الاقتصادي.
كل هذه الثغرات من عجز في الموازنة إلى عجز في الميزان التجاري إلى عجز في المدفوعات إلى تضخم الديون وصولاً إلى فقدان السيطرة على الإنفاق ستؤدي في النهاية إلى انعكاسات سلبية داخلية وخارجية. فداخلياً ستتسع دائرة الفقر ويتراجع النمو، وخارجياً ستلجأ الإدارة إلى اعتماد سياسة المغامرات العسكرية لتغذية آلة الحرب وسد حاجات السوق المحلية، الأمر الذي سيرفع من حال العداء والكراهية للولايات المتحدة.
هذا الوضع السلبي يبدو أن الحزب الديمقراطي لم ينجح في الاستفادة منه لتعزيز فرص نجاح مرشحه جون كيري للرئاسة. فبوش المثقل بالحروب والديون والركود الاقتصادي وغيرها من متاعب أمنية وسياسية استطاع تغيير قواعد اللعبة وإدارة دفة السفينة لمصلحته في وقت تجري الرياح إلى مناطق صخرية لا يقوى القبطان على منع ارتطامها
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 741 - الأربعاء 15 سبتمبر 2004م الموافق 30 رجب 1425هـ