ما هي مشكلة الصيادين...؟ ما المشكلات التي يعانيها قطاع الصيد البحريني؟ ما هي نسبة اسهام قطاع الصيد في سوق العمالة؟ هل يستطيع قطاع الصيد البحري ان يشكل اسهاماً قوياً في الناتج المحلي الاجمالي؟ ماهو حجم الاستثمار في هذا القطاع؟ واذا كان هناك طموح بان يشكل هذا القطاع اسهاماً متنامياً في الناتج المحلي الاجمالي مثلا، فهل هو متطور بما فيه الكفاية لكي يحقق هذا الاسهام؟ هل يملك القطاع امكانات للنمو؟. هل فكر المستثمرون البحرينيون في الاستثمار في هذا القطاع؟ وقبلاً، هل دارت هذه الاسئلة في اذهان المخططين الاقتصاديين في الدولة؟
هذه الاسئلة ترد في ذهني وأنا أتابع مثل غيري كل هذا الضجيج بشأن مشكلة اسمها: «قانون النوخذة البحريني». ومن يتابع الجدل الذي استهلكنا طيلة السنوات الماضية وحتى اليوم عن هذا القانون، سيلحظ بشيء من الحصافة ان المشكلة كلها اختزلت في وجه واحد: «مزاحمة الاجانب».
ها نحن نعود للاجانب مرة اخرى، ألا يذكركم هذا بشيء آخر؟ فطالما تعلق الامر بالعمل والتجارة والرزق، يختزل الجدل نفسه بطريقة مهينة للذكاء في عنوان يتيم: «مزاحمة الاجانب». انه يذكرنا بمقاربتنا لحل مشكلة البطالة: «الاجانب والاحلال». لكنها مقاربة مهينة للعقل على نحو مبالغ فيه لانها تتعامل مع الاجانب كمسلمة غير قابلة للنقاش وتحوّل كل العلل والخلل الاصلي وتلقيه على كاهل الاجانب.
حسناً، من أين جاء هؤلاء الاجانب؟ هل تسللوا من النافذة خلسة أم انهم دخلوا الباب حسب الاصول؟ الاصول بمعنى: من جاء بهم؟ من أعطاهم التأشيرات؟ من اعطاهم التصاريح لممارسة الصيد؟ هل تصدر ادارة الثروة السمكية تصاريح ورخصاً للاجانب بممارسة الصيد البحري ام للبحرينيين فقط؟. الم يدقق احد في جوازات سفرهم لكي يعرف كفلاءهم؟ هل الذنب ذنبهم انهم جاءوا من قراهم البعيدة لبلادنا طلباً للرزق بناء على طلبنا أو طلب كفلائهم بالاصح؟
من كان قد استمع أو قرأ تصريحات وزير العمل والشئون الاجتماعية مجيد العلوي قبل أسابيع قليلة عن العزم على تطبيق القانون، لن يخامره الشك لحظة واحدة في ان الحكومة توصلت اخيرا الى قناعة بتطبيق القانون وان المشكلة حلت. لكن ان نسمع قبل أيام قليلة مضت انه تم تجميد القانون فمن المؤكد ان تفاؤلنا هو الذي ضُرب في الصميم.
لكن الامر لا يتعلق بتفاؤلنا مثلما سترون، بل بقدرتنا على حل المشكلات. هل قلت قدرتنا على حل المشكلات؟ هذه تحتاج الى رؤية، وما يجري ليس سوى استعراض مجاني لمقاربة ستظل تدور عن الاسئلة الجوهرية ولن تصل اليها ولن تطرحها. ستظل هذه المقاربة تضع الاجانب كالدرع والشماعة التي ستعلق عليها اخفاق مريع في مناقشة مسئوليتنا الذاتية نحن وليس الاجانب، بمعنى آخر عدم امتلاكنا للرؤية، وهذا لا يتعلق بقدراتنا العقلية فحسب بل في رغبتنا بالدرجة الاولى. هل قلت الرغبة؟ ها نحن نعود الى العنصر البشري وخياراتنا بالدرجة الاولى. فالقوانين والتشريعات موجودة وهي بليغة في عباراتها، لكن المشكلة ليست في بلاغتها بل في الكيفية التي نتعامل بها. ألم يقل مدير عام الثروة السمكية جاسم القصير تعليقاً على تجميد القانون إن كل القوانين المتعلقة بالثروة السمكية من صيد وغيره لا تطبق.
من تابع وسيتابع الجدل بشأن المشكلة والشكاوى التي يضج بها الصيادون البحرينيون وهذا الانقسام في أوساطهم أيضاً، سيصاب بالدوار لانه سيشعر أن المشكلة مستعصية على الحل. الحل السهل هو أن نشخّص الاجانب كسبب لا الخلل الاصلي الذي يختبئ خلفهم. لكن الحل الاكثر استجابة للعقل هو ان نبحث ما وراء الاجانب. هذا قد يقتضي ان نطرح على انفسنا تلك الاسئلة السالفة. ان ننظر لقطاع الصيد كقطاع قابل للنمو حتى بإسهام الافراد من الصيادين، هذا لا يقتضي رساميل ضخمة بالضرورة، بل تطوير هذا القطاع وقدرات الصيادين ووسائل الصيد والحفاظ في الوقت نفسه على البيئة البحرية وتنميتها وتطويرها. وقبل هذا كله: ان نحترم القانون بحيث لا يوجد لدينا «نوخذة» يكسب رزقه ورزق أولاده على السفينة و«نوخذة» يدير السفينة من مكتب وعلى مقعد وثير بدواعي تنمية مصادر الدخل
إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"العدد 740 - الثلثاء 14 سبتمبر 2004م الموافق 29 رجب 1425هـ