يقول أحمد شوقي «اعطوني صحافة شريفة وخذوا شعباً عظيماً». تلك هي قصة «الوسط» مع الناس... هذا الوليد الجديد أريد له ألا يفطم، بل كان حلم البعض ان يولد ميتاً... حتى أقرباؤه بخلوا عليه بالدعم. عقدة البرانويا دفعت نحو اضطهاد هذا الطفل اليتيم... لكنه حبا... وفاجأ الجميع بسلامة نطقه ومنطقه. حقول من الالغام زرعت امامه أملاً في قطع اصابعه، واقتيد ذات يوم إلى محكمة التفتيش الأخيرة.
في يوم المحكمة ألقى عليه المتفرجون الحجارة تماما كمن يفقأ عينيه بيديه... كان الرهان على ان يجهض الجنين... وبعد الولادة كان الرهان على ان يموت صغيراً ولو بحادث تصادم مع وزارة... حاول البعض ان يحرق اصابعه بسحب الاعلانات واذا بالأصابع هي التي تقود معركة الوطن نحو التحرر من الصحافة الصفراء، فكان الجنود مجموعة صغيرة تمثل أطياف المجتمع لكنها تشترك في الهم الوطني الواحد. كان من هؤلاء مثالاً صاحب الريشة الرشيقة ذات المخالب قاسم حسين... كثير ممن اراهم يقولون لي عرفنا جميع كتاب «الوسط» إذ لكل وردة منهم عطراً... رأينا صورهم عرفنا توجهاتهم الجميلة، لكنا نسأل: من ذا هو قاسم حسين؟ فأقول لهم: هو رجل ولد من جروح الزنزانات، 15 عاماً في الأسر يعرف كل صغيرة وكبيرة في تلك الأقبية... في عينيه تسمع رنين السيف واهتزاز المشنقة... تتعجبون عندما نقول لكم إنه فارس الكلمة الصادقة، قد تختلف معه في الرأي لكنك تجد نفسك ملزماً بأن تحترمه في صدق شعوره... لست هنا في مقام المدح وفي موقع رد السلام بقدر ما انا في موقع أن أريكم جزءاً من خفايا الكلمات النابضة لبعض شخوص «الوسط».
عوداً على بدء، «الوسط» عانت كثيراً ومازالت تسعى جاهدة لأن تقول الحقيقة على رغم ان الحقيقة مكلفة... لوبيات في كل وزارة، وعقول متفاوتة لدى الناس، لكنها لاتزال تحاول كسر المحرمات... لم تبق وزارة لم تدخلها وعلى رغم ما تقدمه مازال هناك من يزايد عليها... عامان مرا وسرعة الانتشار واضحة وباتت جلية.
حتى من أخطأوا تقييمها منذ البداية بدأت تتغير فكرتهم لأنهم تلمسوا الصدقية... وراحت «الوسط» بفريق عملها تعطي صورة اخرى للصحافة. فليس غريبا ان يلتجئ اليها الشيعي في قضية شارع المعارض والسلفي في اعتقال الإخوة الأربعة وقضية غوانتنامو ويلتجئ اليها الجميع في القضايا المتنوعة.
«الوسط» علمت بأدبياتها ان الفساد في الوزارات يمكن اضعافه ولكن بالعمل وترك اليأس... «اعطني عددا قليلاً من الشرفاء وانا احطم لك جيشاً من اللصوص». اذا وجد لص هنا او هناك في اية وزارة - لا سمح الله - فالسلطة الرابعة يمكن ان يكون لها دور في فضحه... علموا أولئك الدراويش: ان الدنيا أولى بها أبرارها لا فجارها.
فيجب ألا يختزل الوطن في ثنائية البرقع وقيادة السيارة، وقديما قيل «اللحية لا تصنع فيلسوفاً».
ركزت «الوسط» على المواطن الفقير ايا يكن انتماؤه، وراحت تطرح همومه ولو في كوميديا سوداء على شاكلة عزف محمد الماغوط وقصة أبيه التي قال فيها: «وقف ابي على الحدود عند الجمارك فقال له الشرطي: اعطني هويتك فقدم له فاتورة الكهرباء». ونحن هنا لو طلبها منا سنعطيه فاتورة مناقصة محطة الحد، والفقراء سيسألونه عن بنك الاسكان وآخرون سيسألونه عن الهوية المضاعة في التجنيس، ولماذا أصبح التمييز ماركة بحرينية مسجلة وبامتياز!
لو في يدنا لتحدثنا كثيراً عن الأحزان، ليس طمعاً في تصفيق الجمهور، فقد تعلمنا من غوستاف لوبون ان الحرب يبدأها الاغنياء ويكون وقودها الفقراء وهم اقل حظاً ساعة توزيع الغنائم... اقول ونحن نطفئ الشمعة الثانية من عمر «الوسط»: دعونا نحتفي بهذا الوليد ونقدم له الدعم، وان ننصفه في الحكم... نحتفي بما قدمته هذه الصحيفة من خدمات للمواطنين وللحقيقة حتى نحقق جميع المطالب الوطنية، ويجب ان ندرك جيدا نقطة مهمة، هي ان عصفوراً واحداً لا يكفي لعودة الربيع. كذلك هي «الوسط»
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 739 - الإثنين 13 سبتمبر 2004م الموافق 28 رجب 1425هـ