تمارس المصارف في الاقتصاد المعاصر دورا في غاية الأهمية في الاقتصاد الوطني، وعلى وجه الخصوص في تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة. فأحد أدوار تلك المصارف الاستثمارية والتجارية إلى جانب صناديق التنمية هو البحث عن الرساميل المتوسطة والمحدودة وتشجيعها على الانخراط في دورة الإنتاج من خلال مساعدتها في المراحل الأولى من تنفيذ المشروع على تحمل النزيف المتوقع والمدروس من جهة، والتحكم العملي في الموازنة بين اوجه الصرف وقنوات الدخل لضمان استمرار المشروع ونموه وحمايته من المخاطر او تقليص سلبيتها عليها من جهة ثانية.
وتظهر أهمية هذا الدور في مراحل الكساد أو التراجع الاقتصادي إذ تتدخل المصارف حينها لإعادة التوازن وضمان الاستمرار للمشروعات الأكثر تضررا من تلك الحالة، والأمر كذلك في مراحل الانتعاش والنمو إذ تتدخل تلك المؤسسات لتشجيع أصحاب الرساميل الصغيرة والمتوسطة على الدخول في مشروعات جديدة تندرج في دورة الانتعاش القائمة.
يختفي هذا الدور الإيجابي عندما تنحرف تلك المؤسسات عن ممارستة على النحو الصحيح، وتندفع بحثا عن أرباح سريعة نحو المواطن بدلا من المشروعات، فتشجعه على الاقتراض لتسديد ثمن سلعة قد تكون في حالات كثيرة ليست ضرورية وربما كمالية أو مظهرية.
حينها تتعرض السوق لظاهرتين: إنكماش الإستثمار في المشروعات المنتجة ومن ثم التنموية، وانحصار «التمويل» في القروض الفردية والشخصية التي تفرز مظاهر انتعاش وهمية خادعة وتضع نسبة عالية من المواطنين تحت وطأة ديون لم يكونوا في حاجة حقيقية لاقتراضها. والمحصلة النهائية حال اجتماعية مزيفة قائمة على ساقين صلصاليتين مهيأة للانهيار وتدمير البناء الاجتماعي قبل الاقتصادي في أية لحظة أو منعهما من النمو الطبيعي الذي ينتظرهما.
المستفيد المؤقت والآني في هذه اللحظات هي مؤسسات التسليف التي ضمنت في كل الأحوال، استرجاع القروض التي قدمتها. والضحيتين المباشرتين: هما المواطن أولا والاقتصاد الوطني ثانيا. فالمواطن لن يجد امامه سوى اللجوء إلى مؤسسة أخرى غير التي اقترض منها كي يتمكن من تسديد قروضه في أوقاتها وهذا يضاعف من هامش الأرباح الي بدأت عند اول قرض. أما الاقتصاد الوطني فسيدخل في دوامة البحث عن حل للحد من تضخم الديون الفردية المتراكمة لتحاشي الإعلان عن حالات إفلاس بعض من تراكمت عليهم الديون من جهة، والتفتيش عن مصادر لتمويل مشروعات بحاجة إلى قروض مباشرة لا تجد من يموله. والمحصلة النهائية هي حال كساد ناشئة من مصادر غير متعارف عليها.
من الحلول العملية التي تلجا إليها بعض الدول للحد من سلبيات هذه الظاهرة هو اتفاق المؤسسات المالية والمصرفية العاملة في سوق معينة على تأسيس مكتب معلومات تقتصر مهمته على تزويد تلك المؤسسات بالمعلومات المالية لمن يتقدم بطلب قرض منها. يتم ذلك في نطاق عمل مؤسسي تحكمه قوانين تكفل حقوق الحماية لسمعة كل الضالعين في عمليات الاقتراض والتسليف أفرادا كانوا أم مؤسسات
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 739 - الإثنين 13 سبتمبر 2004م الموافق 28 رجب 1425هـ