العدد 739 - الإثنين 13 سبتمبر 2004م الموافق 28 رجب 1425هـ

أميركا... والتطور السلبي

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

العالم يسير من سيئ إلى أسوأ. هكذا ترى مدارس اقتصادية الوضع العالمي في الفترة المقبلة. وهناك مدارس مضادة تقرأ الاتجاه بطريقة معاكسة، وترى أن العالم يسير من حسن إلى أحسن.

الخلاف بين الفرضيتين نسبي، وكذلك يعتمد القياس للمقارنة بين اقتصادات العالم. فالمدرسة التي تنظر إلى التطور من زاوية إيجابية ترى أن العالم تقدم وتطور وسيبقى يتقدم ويتطور. فهذه المسيرة هي من سنن الإنسان والحياة. بينما تنظر المدرسة السلبية إلى التطور من منظار مختلف. فهي ترى أن الصناعة تقدمت والثروات تضخمت والتجارة الدولية وصلت إلى مستويات غير مسبوقة... ولكن هذا لا يعني أن توزيع الثروة العالمية تدهور والفقر والأمية والجوع انتشر والمال تضخم في يد نسبة قليلة من البشر تسيطر على حركته وتوظيفاته واستثماراته.

القراءة الأولى (الإيجابية) تنظر إلى التقدم من منظار المال والتقنيات واحتكار الثروة. بينما القراءة الثانية (السلبية) تنظر إلى التطور من ناحية الإنسان ومستوى المعيشة وانهيار الطبقة الوسطى واتساع طبقة الفقراء وتقلص نسبة التوزيع العادل للثروة. فالقراءة السلبية لا تنفي وجود تحولات كبرى طرأت على مستويات التنمية والتوظيفات والاستثمارات وحركة الرساميل وانتقالها من مكان إلى آخر. ولكنها في الوقت الذي تثمن فيه هذه الإيجابيات ترى أيضاً اتساع نسبة السلبيات. ومع الوقت إذا استمر الحال على حاله فستتضاعف السلبيات وتصبح هي الغالبة على مساحة الإيجابيات، الأمر الذي يهدد العالم بمجاعات وثورات وفيضان من حركات العنف والخطف والقتل والابتزاز وقيام عصابات تدعي حمل ايديولوجيات متطرفة وأصولية على مختلف الأنواع والأشكال والألوان والمسميات. فالنظرة السلبية تقرأ المسألة من ناحية علاقة الإنسان بالإنسان من دون أن تسقط علاقة الإنسان بالطبيعة أو علاقته بالآلة والكمبيوتر.

هذه النظرة التي ترى أن العالم يتطور سلبياً لا يقتصر مفهومها على مساحة العالم الثالث، بل ترى أن هناك مشكلة كبرى ستضرب الولايات المتحدة في حال استمرت إدارتها في تركيز الإنفاق على مجالات الأمن والدفاع وإهمال تطوير القطاعات الأخرى التي لها صلة مباشرة بالإنسان وهمومه اليومية من ضمانات اجتماعية وصحية وتربوية وتوفير فرص عمل ودخل مريح يؤمن للعائلة الصغيرة بعض الطمأنينة وعدم الخوف من المستقبل الذي تهدده البطالة أو الطرد من العمل بسبب اختراع آلة جديدة أخذت وظيفته ومكان عمله.

مدرسة التطور السلبي تركز انتباهها على الولايات المتحدة التي يعتبر اقتصادها هو الأكبر والأضخم حتى الآن في العالم. ومن أميركا تنطلق المدرسة السلبية لتعطي إشارات سريعة عن مؤشرات خطيرة ستضرب العالم كله (عنف وإرهاب) إذا استمر هذا التفاوت في توزيع الثروات دولياً ومحلياً.

هذه المدرسة السلبية تقول إن الموازنة الفيدرالية الأميركية أصيبت بعجز قياسي بلغ حوالي 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وبالتالي فإن الزيادة في ديون أميركا من جهة وعجز موازنتها من جهة أخرى سيضران بالنمو الاقتصادي العام، ويدفعان الطبقة الوسطى نحو الانهيار أو تقلص رفاهيتها التي كانت موجودة في خمسينات وستينات القرن الماضي.

وهذا التراجع العام يفسر إلى حد كبير انخفاض نسبة التوظيف في القطاع الصناعي، وارتفاع معدل البطالة الذي وصلت نسبته إلى 5,6 في المئة. فمنذ وصول الرئيس جورج بوش إلى البيت الأبيض خسر القطاع الصناعي وحده مليوناً و200 ألف وظيفة، في وقت أجرى عمليات خفض على الضرائب الموضوعة على الأغنياء لتشجيعهم على الاستثمار، فحصل العكس إذ تقلصت التوظيفات وتركزت الثروة في يد قلة وارتفع معدل الفقر.

الفقراء يتكاثرون في الولايات المتحدة. هذا هو الاستنتاج الذي توصل إليه التقرير السنوي لمكتب الإحصاء، إذ أشار إلى أن مليوناً و300 ألف أميركي انزلقوا إلى طبقة الفقراء في العام 2003. وبذلك ارتفع عدد الفقراء بنسبة 4 في المئة ليصل مجموع طبقة الفقراء في أميركا إلى حوالي 40 مليون نسمة، وهو المعدل الأعلى منذ العام 1998.

الفقراء في أميركا يتكاثرون وبلغت نسبتهم في العام الماضي 12,5 في المئة من الشعب الأميركي (واحد من كل ثمانية أشخاص)، والمعدل يتجه نحو الارتفاع لا الانخفاض.

أميركا إذاً تسير نحو الأسوأ لا الأفضل، ولأنها الأقوى ستضطر إلى استخدام قواتها العسكرية للسيطرة على المواد الخام وثروات الشعوب لتأمين احتياجاتها الداخلية حتى لا تقع في داخلها الاضطرابات. وفي هذا المعنى الاقتصادي ترى مدرسة التطور السلبي أن العالم لا يسير نحو الأفضل بل من سيئ إلى أسوأ، والسبب أن أميركا تريد المحافظة على موقعها المتقدم ورفاهية شعبها من خلال فرض شروطها وحروبها على الشعوب الأخرى. فبوش يرى أن سعادة أميركا تأتي من تعاسة العالم. وهذا ما تتخوف منه مدرسة التطور السلبي للعالم

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 739 - الإثنين 13 سبتمبر 2004م الموافق 28 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً