مشروع «شباب المستقبل» الذي يرعاه سمو ولي العهد يستحق الثناء لأنه يعطي الفرصة لمن لديه قدرة ذهنية أن يبدأ حياته على أساس أكاديمي رصين، والمشروع يعتمد على اختيار الشباب الأذكياء الذين يلبون الشروط المعتمدة على الكفاءة ومن ثم ابتعاثهم لأفضل الجامعات.
مثل هذا المشروع يوجد بشكل موسع في عدة بلدان ومنها بريطانيا. ففي 1976 أسس ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز مؤسسة باسم The Prince's Trust بهدف مساعدة الشباب الذين لا يستطيعون تحقيق أحلامهم لأسباب مادية على رغم امتلاكهم المواهب والقدرات التي تؤهلهم لمستقبل مشرق. وبحسب إحصاءات هذه المؤسسة فإنها ساعدت منذ تأسيسها 460 ألف شاب، ومن هؤلاء كان 60 ألفاً حصلوا على منح من أجل برامج التطوير الذاتي، 185 ألفاً تمت مساندة مشروعاتهم الموجهة لخدمة التنمية الاجتماعية، 19 ألفاً حصلوا على تدريب يؤهلهم لدخول معترك الحياة، و50 ألفاً حصلوا على منح لبدء شركات. المشروع لديه مجلس يديره، يحتوي على شخصيات مهمة جداً يمثلون شركات كبرى ناجحة.
من الأمثلة الناجحة للمشروع المذكور هو سلسلة متاجر بريطانية اسمها gamestation بدأها شابان اسمهما «ستيفن هول» و«جوليان غلادوين» في العام 1993 عبر منحة قدرها 1500 جنيه استرليني وقرض قدره 3000 جنيه استرليني. كانت تلك هي البداية المتواضعة لشابين طموحين ساعدتهما مؤسسة الأمير تشارلز. أما اليوم فإن هذين الشابين يملكان 58 متجراً بالاسم نفسه منتشرة في جميع أنحاء بريطانيا، ولديهم 400 موظف ويتوقعان أن يحققا هذا العام دخلاً من المبيعات قدره 65 مليون جنيه استرليني.
وهكذا كان... فخلال 10 سنوات أصبح الشابان من كبار رجال الأعمال بمنحة صغيرة جداً وتشجيع من ولي العهد البريطاني. ولانهما حصلا على أموالهما عبر الطرق الصحيحة - مهارة وذكاء ومبادرة وتدريب - فإنهما شرعا يدربان كل موظف ويحرصان على رد الجميل عبر خدمة أكبر عدد من الناس العاديين. الفكرة بدأت عند الشابين وتمحورت حول تلبية حاجة في السوق لبرامج وألعاب الكترونية يتم تشغيلها من خلال الفيديو أو الكمبيوتر، على أن يكون السعر مناسباً والعرض مبسطاً، وأن يكون الموظف من المولعين بالألعاب الإلكترونية لكي يستمتع بالعمل شخصياً وهو يعرض السلعة على الزبون ويشرح له اللعبة.
ما نحتاج إليه هو تطوير مشروع سمو ولي العهد ليصل إلى مستوى ما هو موجود في بريطانيا، على أن يكون له مجلس من أفضل العقول المبدعة في مجال الأعمال، وعلى أن توجه الخدمات إلى كل من يحتاجها (وغير مقتدر مالياً) ولكنه كفؤ ومؤهل لاكتساب المهارات، وعلى ألا يقوم هؤلاء بتحويل المساعدات لأبنائهم وأبناء أصدقائهم ويتم القضاء على أساس الفكرة.
ما نحتاج إليه هو أن يكون لدينا من الأثرياء من يحب الخير لغيره من أبناء وطنه، وأن تكون عنده الرغبة لرؤية الذين لم يحالفهم الحظ في الثروة - ولكنهم يمتلكون القدرة والموهبة - يتحولون إلى اثرياء وكرماء يساعدون غيرهم ضمن دائرة خير تعتمد على النيات الخيرة، وتحب أن ترى الجميع يعيش بخير.
فلنتصور مقدار الولاء الذي يكنه شابان بريطانيان لولي عهد بلادهما... فلقد كانا في عداد المهملين والضائعين ولكن، ومن خلال منحة بسيطة جداً لا تتعدى الألف دينار وقرض لا يتعدى الألفي دينار وتوجيه سليم، وإذا بهما يكونان ثروة كبيرة (الدخل الشهري حاليا حوالي ثلاثة ملايين دينار) ويوظفان مئات الشباب من أبناء بلدهما لرد الجميل الذي حصلا عليه...
هذه هي الروحية التي تخلق مفهوم المواطنة السليمة فالأموال التي تصرف على المستحقين ستكون أقل بمئات المرات - ان لم يكن بآلاف المرات - مما يصرف حالياً على المتملقين الذين يمتصون خيرات البلاد ويحرمون المحتاجين من كل دينار يمكن أن يصل إليهم ويساعدهم على تخطي صعاب الحياة... ومن ثم خدمة بلدهم
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 739 - الإثنين 13 سبتمبر 2004م الموافق 28 رجب 1425هـ