العدد 725 - الإثنين 30 أغسطس 2004م الموافق 14 رجب 1425هـ

«الوفاق» هل تعالج الإنفلونزا أم الارتيكاريا؟

«الحسين لن يستفيد من المآتم الجديدة»

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل خمسة وثلاثين عاماً، تكلّم أحد الخطباء على المنبر معلّقاً على تكوين مأتم جديد في إحدى القرى قائلاً: «ان الامام الحسين (ع) هو المستفيد»! ونسي خطيبنا رحمه الله أن تكوين المأتم الجديد جرّ إلى خلافات بين أهالي القرية إلى درجة مقاطعة بعضهم بعضاً، وعدم تبادل التحية والسلام!

وما يجري على الساحة السياسية اليوم، والحديث عن تكوين «العدالة والتنمية»، لن يكون أكثر من تكوين مأتم جديد، لن يحصد منه جمهور الوفاق والانتفاضة غير الهشيم. فضلاً عن القول انه مفيد أيضاً للمرجعية الدينية، مع تحفظنا أصلاً على وجود مثل هذه المرجعية في بلادنا، وكل ما هنالك رموز دينية أصبحت مع الوقت جزءًا من المشكلة ومن الصعب التسليم بأنها ستكون جزءًا من الحل. وإذا أردتم التأكد فتذكروا كيف كانت البيانات تصدر مجتمعة فأصبحت تصدر فردية متشرذمة هي الأخرى... أليست الارتيكاريا مرضاً بحرينياً بامتياز؟

طبعاً هذا يستدعي الحديث بصراحة عن أمراض «الوفاق» الأخرى، فالوفاق بصفتها الجمعية الحاضنة لهذا الجمهور الكبير من أبناء «الانتفاضة»، تعاني من أعراض المرض القديم المستوطن في هذه التربة، الذي طبع ساحة العمل الاجتماعي والسياسي - وأحياناً الرياضي - في البحرين على امتداد عقود، من تشرذمٍ وتفرقٍ وتشتتٍ واختلاف.

وإذا كان الاختلاف من ميزات المجتمع الحيّ الذي يتمتع بشباب سياسي، إلاّ ان ما يجري اليوم على الساحة السياسية تحديداً دليل مرضٍ يحار المرء في تشخيصه: هل هو «انفلونزا» أم «ارتيكاريا»؟ فالانفلونزا مرضٌ عارض، يقيم معك يومين أو ثلاثة ثم يرحل مخلفاً وراءه آلام الرأس والمفاصل، أما الأرتيكاريا فهي حالة حساسية مزمنة، تنتظر أية فرصة لتثور فيلتهب الجلد كله: هبوب غبار أو حبوب اللقاح او ارتفاع بسيط في درجة الحرارة، والنتيجة: أيامٌ من التوتر والعصبية وربما ضرب الزوجة والعيال!

المراقب للساحة سيبصر رجلاً مثل نزار البحارنة، وقف يوماً من أيام الحركة المطلبية للشعب أمام قوات وآليات الأمن التي أرادت دخول الجامعة ورفض اقتحام الحرم الجامعي، ودفع ثمن موقفه الشجاع بـ «الاستغناء عن خدماته»، يتم تهميشه من الوفاق بعد عشرة أعوام إلى درجة «الاستغناء عن خدماته» أيضاً. الرجل كان يحمل أفكاراً معينة، لم يستوعبها التيار المسيطر حالياً على الوفاق، وفي الانتخابات الاخيرة فوجئ الناس بوجود قائمة «متقين» وأخرى بالنتيجة ستكون من غير المتقين كما سأفهمها أنا وغيري. وبالتالي كان خروج البحارنة من الوفاق تحصيل حاصل. فأنت عندما تدمغ رجلاً بأنه برجوازي وتاجر وأصحاب مصالح في أجواء تيار شعبي متلاطم، فإنك تحكم عليه بالإعدام، فضلاً عما يثيره ذلك من تساؤل عن صحة هذه الوسيلة ومشروعيتها من الأساس.

قد لا نتفق مع طرح تشكيل جمعية سياسية رديفة للوفاق، لأنه لن يكون أكثر من تكوين «مأتم جديد»: جمعية نخبوية لن يزيد عدد أعضائها في أحسن الأحوال عن مئة شخص، ولكن علينا أن ندرك ان ذلك ليس إلا أحد أعراض المرض المستوطن، واما المرض نفسه فعلى الوفاق أن تبحث عن أسبابه الحقيقية.

التحدي الأكبر للوفاق، هو كيف تسيّر أعمالها، بطريقة تحتضن جميع الآراء المختلفة، وتستوعب الاختلافات والتعارضات، لتخرج بالرأي الأفضل المنخول. فالأحزاب السياسية في العوالم الناضجة لا تتطور بتهميش وإقصاء كل من يختلف مع الخط الرسمي للحزب، فهذه سياسة «ستالينية»، حتى وإن تلبست باسم الدين أو ارتدت عمائم الرموز وجلباب الوفاق.

ان قوة الوفاق ليست في جماهيريتها العريضة في هذا المفصل التاريخي، بل في قدرتها على استيعاب وتقبّل وجهات النظر المختلفة التي لا يستسيغها التيار المسيطر حالياً على الوفاق. ولن يشكل إشهار «العدالة والتنمية» تحدياً لها بمقدار ما تشكله طريقة العمل السائدة، والتعامل مع «الرأي الآخر» بأسلوب يترفع عن التهميش والتسقيط وطرح قوائم «المتقين» و«غير المتقين».

العمل السياسي بحاجة إلى صدرٍ رحب، وأفقٍ واسع، يقبل بالرأي المختلف، فضلاً عن الرأي من داخل الصف الواحد، قبل أن يطالب الحكم بقبوله وتوسعة صدره. هذا هو التحدي الأكبر للوفاق، وليس تكوين جمعية لن يزيد عدد أعضائها عن مئة شخص.

مسيرة الوفاق غير مطمئنة حتى الآن، فقد لازمت هذه المسيرة الكثير من العثرات، وآخرها خطوتها لإثناء جماعة «العدالة والتنمية» عن الإشهار، والأسوأ من ذلك السعي إلى توقيع «عريضة جماهيرية مضادة»، إن صح هذا الخبر. البداية الصحيحة تشخيص العلة، والاجابة على هذا السؤال: هل ما تعانيه الوفاق انفلونزا أم ارتيكاريا؟ وبالتالي فلتفكروا في اختيار العلاج، وإلا فإن الحسين (ع) لن يستفيد من المأتم الجديد، كما لم يستفد من المآتم القديمة

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 725 - الإثنين 30 أغسطس 2004م الموافق 14 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً