العدد 725 - الإثنين 30 أغسطس 2004م الموافق 14 رجب 1425هـ

لبنان... والتجاذب السياسي

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

عادت في لبنان ماكينة «فرز الألوان» للعمل من جديد. فبعد فترة وجيزة اختلطت فيها مواقف الأطياف السياسية، بسبب الحرب على العراق التي وحدت اللبنانيين على موقف وطني وعربي وإنساني ضد تسلط الدولة الكبرى في العالم، جاءت الانتخابات الرئاسية لتعيد ترتيب القوى وتوزيعها على مراكز غير متفاهمة على المسألة الدستورية.

الدستوريون، اذا جاز التعبير، يتمسكون بالمواد القانونية ويؤكدون ضرورة اخراج الدستور من اللعبة السياسية. غير ان الدستوريين غير متفقين. فهناك من يعارض تعديل المادة 49 لحسابات شخصية وطموح البعض إلى ترشيح نفسه لهذا المنصب. وهناك من يعارضه حرصاً على روح الوفاق الوطني التي تشكلت في السنوات الأخيرة وأسست مدرسة سياسية واقعية تفهم التوازنات الدقيقة على المستويين المحلي والاقليمي وتقرأ جيداً تداخل المصالح ومراعاة الخصوصيات. وهناك من لا يرى قدسية في الدستور ولا يرفض تعديل المادة 49 بشرط الا يكون التعديل لمرة واحدة ويصبح الاستثناء هو القاعدة. فالمطالبون بالتعديل يقترحون ان تعدل المادة ويصبح التجديد مرة ثانية من قواعد الدستور بشرط ان تخفض فترة الرئاسة من ست سنوات إلى أربع.

التجديدون (التمديديون) اذا صح التعبير ينظرون إلى المسألة من الباب السياسي ولا يكترثون لمعنى الدستور وأهمية المحافظة عليه. فهؤلاء يفكرون بالمسألة من الجانب المصلحي من دون اعتبار للجانب القانوني الذي هو مصدر السلطات.

الخلاف الآن في لبنان ليس على «الشخص» ولا على «المادة 49»، بل يتجاوز حدود اللعبة السياسية وما يتفرع عنها من دوائر خارجية تريد الاستفادة من التشنج والاحباط والقلق لتمرير مشروعات كبرى أعلنت واشنطن عن طموحها لتنفيذها في حال توافرت الفرص بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية.

الأزمة الدستورية التي يعيشها لبنان الآن ليست جديدة. فهي تكبر وتصغر كل ست سنوات حين يقترب موعد انتهاء مدة الرئاسة وتطرح أفكار التجديد والتمديد أو انتخاب رئيس جديد.

الا ان الظروف هذه المرة مختلفة ولا يمكن القياس عليها بظروف أخرى متشابهة. فالوضع في المنطقة بدأ يتغير وفشل الولايات المتحدة في العراق يعتبر في كل المقاييس نصف نجاح. ونصف النجاح يعني استعداد الإدارة في حال جُدد لها لاستكمال النصف الآخر... وهذا يحتاج إلى وقت تنضِّج خلاله واشنطن العوامل والذرائع والتبريرات التي تعطيها الضوء الأخضر للانطلاق.

هناك حالات احباط في لبنان. والاحباط المقصود كما يبدو على وجهين: الأول يتمثل في الجانب الماروني الذي يعتبر انه حرم من حصته في المائدة. والثاني يتمثل في الجانب السياسي حين اعلن الوزير عاصم قانصوه انه طمح لتجديد فترة الرئاسة ست سنوات لكن الظروف الدولية والاقليمية قلصتها الى ثلاث.

المنطقة فعلاً تمر في حالات استثنائية وظروف اقليمية صعبة، تدير خيوطها كتلة شريرة تتخذ من «البنتاغون» غرفة لإدارة عملياتها. الا ان الاحباط الاول يختلف عن الثاني في مدلولاته وتعبيراته ومعانيه. فالأول صحيح والثاني مفتعل.

لبنان يمر فعلا في ظروف استثنائية وصعبة ولهذا وجب على كل المتابعين ان يدرسوا خطواتهم جيدا ويستوعبوا الدروس التي حصلت في المناطق البعيدة والقريبة... وتحديداً في العراق.

ما حصل في العراق يعتبر من الحوادث الفريدة من نوعها وهي جديدة في مدلولاتها الدولية والقانونية وربما أريد منها توجيه رسائل لكل المحيطين بأن المشروع كبير ويتجاوز حدود الرافدين.

وتقليديا هناك علاقات خفية بين ما يحصل في بغداد وما يحصل في بيروت. وهذه العلاقات الخفية يمكن اعتبارها من انواع «المغناطيس» أو التجاذب السياسي. وكل من يقرأ السياسة في بعدها الاستراتيجي يكتشف دائماً أو على الاقل يلاحظ وجود صلة ما بين ما يحصل في العراق وما يحصل في لبنان وبينهما بلاد الشام. فالحوادث بين البلدين مترابطة أو تجد صداها بين بيروت وبغداد. فالانقلاب الدموي ضد الملكية الدستورية في العراق 1958 مثلا ارتبط في ذاكرة الناس بنزول قوات الاسطول الأميركي السادس (المارينز) في بيروت. كذلك هناك شبهة لاحظها كل المتابعين بين التقدم الذي احرزته القوات الايرانية في المحمرة (خورمشهر) ومحاصرة الفاو في جنوب العراق والهجوم الاسرائيلي على لبنان في يونيو/ حزيران 1982. فما يحصل في بغداد يجد صداه في بيروت والعكس.

الآن احتلت القوات الاميركية العراق وبدأت بإعادة تجميع نفسها في قواعد ومهابط طيران ليس تمهيداً للانسحاب وانما لنقلها إلى مكان آخر حددت واشنطن مراراً اتجاهاتها وأهدافها.

ان لبنان فعلاً يمر في حالات استثنائية وظروف اقليمية صعبة، وكل هذا يستدعي من كل المراقبين والمتابعين تقليل نسبة الاحباط القديمة والمستحدثة ورفع نسبة الانتباه خوفا من المزيد من الانزلاق وبالتالي تدهور الموقف وانتقاله من البرلمان اللبناني الى الكونغرس الأميركي

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 725 - الإثنين 30 أغسطس 2004م الموافق 14 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً