للغريبة ذاتها... الغريبة التي هتكت أسرار الأسوار، وفضحت المدن الخائنة الموغلة في سحْل أبنائها البررة... للغريبة الموعودة بانهمار القيامات... للغريبة وهي تعلّق أساور الليل حجّة بالغة على سبات مقيم في كون يضج بالاستغاثات... للغريبة العائدة من عناء الماء الشحيح الذي لم يبلغ محلّه من الأفئدة والروح... للغريبة المنهمكة بترتيب مشاهد الفضح ببلاغة كأنها المباغتة... للغريبة تسخر من البرازخ التي بثّها القتلة... للرؤوس المحُتفى بها في شماتة بالغة!
ينتابك قلق العارف... أو كما تظن... تتأمل المقدّس من الأشياء... الأباريق المعلقة في حوافّ العالم وهي تنضح بإضبارات الوعود... تتحسّس من الخوذ المائلة الى الرمادي... كأن أصحابها عادوا للتو من وليمة الدم أو الفرار لا فرق!... منهمك أنت بالنسّاجات اللواتي يرتقن عوزهن بابتسامات تدعك مؤجلا في ادراكك ووعيك!
زمن عربي منشغل بالموائد... وبمهرجانات المناحات... مضامير النصال... زمن ضالّ متشبث بهشيمه أو ما دون هشيمه... زمن يستدعي العقْر ويكافئ على الشذوذ والوشايات... حناجر مطربية تُدلّك بالدولار... وأصوات أحراره السابقين في مزادات تزدحم بها العواصم... زمن يقتتل على الغنائم مع صلوات تقام لتجنب الحروب... زمن يآخي بين الفضاء والحبس الانفرادي... بين الفولاذ والجنس الثالث... بين البحيرات الآسنة وماء زمزم... بين المجون وتأمل في الخلق والخليقة... زمن هو في الذروة من الاطمئنان المصطنع!
هكذا نحن عرضة لاختبارات الطاعة... كأنما هذه الرؤوس أجهزة للايماء ولا شيء غير ذلك... عرضة لمواسم لا تنقطع من المشيئات التي تنهمر علينا بالغامر من الوعيد والمستحيل من الوعد!
ها هو يُحْرم لمناسك القبر!
بيني وبينك هذا السياج السري
وأشار إلى فضاء فاضح!
الفرار حجٌّ للطمأنينة!
طفل يلهو بطائرة ورقية...
طيّار يلهو بالقصف!
حديقة أطفال...
مدرسة...
حافلات صباحية...
مطر يهطل بنعومة مذهلة
وموكبٌ عسكريٌّ يقمع المشهد!
قال البياض:
من يلوثني بذهب الفكرة؟
قال الطاغية:
هنا يغفو الدم
وأشار الى نياشينه!
تتنزه الطرق في اختفاء المارّة
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 725 - الإثنين 30 أغسطس 2004م الموافق 14 رجب 1425هـ