العدد 725 - الإثنين 30 أغسطس 2004م الموافق 14 رجب 1425هـ

فرق بحرينية وأندلسية وسودانية و«كلاسيكية» تضيء ليالي أصيلة

أصيلة - المصطفى العسري 

تحديث: 12 مايو 2017

تناوبت على مبنى قصر الثقافة ومركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية الكثير من الفرق الفنية من مختلف جهات العالم من المكسيك غربا فالبرتغال وبولندا من أوروبا فالمغرب والبحرين والسودان من الوطن العربي لتعطي لأصيلة وموسمها لونا آخر من الفنون العريقة والراقية تنتشل متتبعي ندوات أصيلة من يم المشكلات والمشاغل الفكرية والسياسية التي تشغل الإنسان في عالم اليوم. وكان القاسم المشترك لهذه الحفلات جمهور ائتلف من جميع الميولات والطبقات، ووحدها الحضور الدائم لوزير خارجية المغرب محمد بن عيسى ووزير الخارجية المصري السابق أحمد ماهر، بالإضافة إلى شخصيات بارزة في عالم السياسة والفكر والفن.

«بن فارس»... تمثل الخليج و«ليالي النغم» التراث الأندلسي المغربي

من السهرات التي شدت اهتمام الجماهير الأصيلية الحفل الذي أحيته فرقة بن فارس للموسيقى العربية من مملكة البحرين على مسرح مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية وسط المدينة العتيقة، فكان حفلا موسيقيا وغنائيا من التراث الأصيل الذي يتميز به هذا البلد الخليجي، رحل بمشاهديه إلى عبق منطقة الخليج العربي وتراثها الموسيقي العريق.

وبحسب المنظمين فإن هذا الحفل الفني الذي قدمت خلاله الفرقة للجمهور الحاضر لوحات غنائية تعتمد إيقاعات خليجية تعكس مدى ارتباط ساكنة البحرين ومنطقة الخليج العربي بالبحر عبر تقديم رقصات وحركات تعبيرية من الفن الشعبي البحريني، يأتي ضمن مشاركة مملكة البحرين المكثفة في أنشطة موسم أصيلة الثقافي الدولي، إذ كانت المملكة ضيف الشرف على فعاليات المهرجان.

ومن المغرب أحيت فرقة «ليالي النغم» للطرب الأندلسي برئاسة الفنان عبدالسلام الخلوفي حفلا للموسيقى الأندلسية تمايل على إيقاعاته جمهور أصيلة، وخصوصاً أن الفرقة تنتمي إلى المنطقة التي توجد بها أصيلة، المنطقة الشمالية للمغرب.

«الباليمو» السودانية

توحد أهل السودان والمغرب

كانوا تسعة حضروا إلى أصيلة: 3 نساء و6 رجال، جاءوا من جهات مختلفة من السودان وأكدوا على لسان رئيسهم أن هدفهم هو زرع الفرح في قلوب أهل أصيلة الذين سيحضرون حفلهم... فكان لهم ذلك.

إذ تمكنت هذه الباقة من الفنانين التي تشكل فرقة نجوم الباليمبو باقتدار وعفوية وبساطة لكن بفن أصيل، من إجبار الجمهور الأصيلي وضيوفه على الجلوس في المقاعد إلى ما بعد منتصف الليل.

والفرقة سميت باسم الآلة الرئيسية التي تعزف عليها «الباليمو»، وهي آلة يخيل للرائي أول ما ينظر إليها أنها تعود لقرون خلت، فهي مجرد أعواد خشبية وضعت بانتظام على منضدة، لكن الألحان التي صدرت منها أدهشت السامعين ومنحتهم الإحساس بأن الأمر يتعلق بموسيقى طبيعية كما لو هي مزيج من أصوات تساقط المطر وحفيف الأشجار وهدير الأمواج.

وفي حفلها تنقلت الباليمو من الجنوب نحو الغرب وبالضبط منطقة دارفور، إذ أظهرت الأصوات الشجية للباليمو تراث هذه المنطقة وعاداتها، كما تغنت بفروسية وشجاعة أهلها... ومن ثم إلى الشمال ونهر النيل إذ أظهرت ما تتمتع به حقول القطن ومدى جدية النساء اللواتي يدرن الطواحين اليدوية لصنع الرغيف لصغارهن.

ناي الهنود الحمر يصدح في أصيلة

عبر مياه المحيط الأطلسي انطلقت معزوفات عازف الناي المكسيكي هوراثيو فرانكو بجمهور أصيلة للوقوف على حضارة الهنود الحمر بالمكسيك، إذ أطلق فرانكو العنان لموهبته الفذة بألوان مختلفة وآلات ناي من أحجام مختلفة، وبدا أنه كلما ازداد في نفخ أنفاسه في نايه كلما انقطعت أنفاس جمهوره حتى لا تسمع إلا صوت الناي الرقيق منسابا يتمازج بهمس أمواج المحيط المتسلل على بعد أمتار من قصر الريسوني التاريخي الذي احتضن الحفل.

حل هذا الفنان المكسيكي الذي يعتبره الكثير من النقاد «أكثر المنتوجات التي تصدرها المكسيك إثارة» ضيفا على مهرجان أصيلة الثقافي الـ 26 وفي جعبته معزوفات تعانق ألوانا مختلفة من الكلاسيكي والفلكلوري والمعاصر، لكنها في كل المرات تجعل أنامل مرهفي الحس من الجمهور تتحرك لا إراديا بحركات مختلفة تداعب ركبهم أو أكتاف أصدقائهم.

من الأندلس الغربي كان «الفادو»

قطعت «ألدينا دوراتي» مسافة قصيرة لا تتجاوز عشرات الكيلومترات بين بلدها البرتغال وبلدة أصيلة لتحط رحالها بين جدران القلعة البرتغالية لا لتحتلها على غرار أجدادها الأوائل، بل لتقدم أحد فنون شبه القارة الإيبيرية ، فن «الفادو»، وتتحف جماهير أصيلة بهذا الفن.

يعد فن «الفادو» من أجمل الألوان الغنائية الموسيقية في البرتغال، وقالت دوارتي في تصريحات للصحافة إنه فن شعبي ظهر في منتصف القرن الـ 19 وظل محافظا على روح ألحانه والطريقة التي يؤدى بها إلا أن الكلمات تتطور مع التحولات التي يشهدها المجتمع البرتغالي إضافة إلى أن الموسيقى تمنح مرتادي هذا اللون الأجواء الملائمة لنظم الشعر. والفادو فن يتغنى به البرتغاليون في الساحات والبيوت والمناسبات، ومعناه «القدر» أو «الحتمية» بتعبير موسيقي، أما مرجعيته في اللغة اللاتينية فهو يعني «فاتوم» أي اليقين من حياة تقوم على المعاناة ثم على المرح.

والفادو بحسب ألدينا دوراتي يعتمد في الأصل على الارتجال وتنبع كلماته من الأجواء المحيطة به، مشيرة إلى أن الخاصية الأخرى التي تميز هذا الفن هي غلبة طابع الحزن عليه وخصوصا أنه خارج من رحم الأحياء الشعبية المهمشة في السابق وتكفل نقل معاناة ساكنيها، معتبرة «أن استيعاب الفن الغنائي والموسيقي كيفما كانت جنسيته لا يحتاج إلى فهم لغته المحلية بل هو لغة كونية تكتفي بتواصل الفنان بإحساس ادق مع الجمهور ليبلغ رسالته».

الموسيقى الكلاسيكية بدورها كانت هناك

كانت الموسيقى الكلاسيكية العريقة حاضرة في أصيلة من خلال 3 ليال رائعة. الأولى مع الموسيقار البولندي مارك دريونوفيسكي، والثانية مع النمسوي الشاب فيليب كرونيتشلير، والثالثة مع العازفة المغربية غيثة الساهر.

خلال الحفل الأول استطاع العازف دريونوفيسكي أن يهدي الحاضرين لحظات انتشاء حقيقية، زاد من جماليتها الطراز المعماري الأندلسي لقصر الريسوني التاريخي.

مارك الذي ولد في بولندا العام 1946 يجر وراءه نصف قرن من الأداء الموسيقي، إذ بدأ رحلته الطويلة مع عالم البيانو منذ أن كان في سن الرابعة. ومنذ ذلك الحين، تتلمذ كما تحكي ذلك سيرته الذاتية على عازف البيانو الشهير زيبينيو ديويكي أستاذه بأكاديمية ريزارد باكست. وواصل المشوار الذي ربطه بهذه الآلة الساحرة فتابع دراسته بالمدرسة العليا وحصل على شهادته بامتياز كبير. وسجل دريونوفيسكي 12 مقطوعة قصيرة وطويلة «سوناتات»، وأسس مهرجانات هافمان وبوديريوسكي بمدينة ناليشو، وحصل على الكثير من الجوائز وحصد الكثير من الإعجاب.

الليلة الثانية قدم خلالها الفنان النمسوي فيليب كرونيتشلير للقصر معزوفات موسيقية على آلة البيانو. وعزف الفنان الشاب كرونيتشلير، الذي ولد في سانت بولتي بالنمسا، مختارات من ريبرتوار الموسيقى الكلاسيكية العالمية، وخصوصاً مقطوعات من موسيقى موزارت بمهارة استحوذت على اهتمام الجمهور الذي حج إلى القصر.

في الليلة الثالثة أحيت عازفة البيانو المغربية غيثة ساهر حفلا فنيا منفردا أتحفت به جمهور موسم أصيلة الثقافي الدولي بمقطوعات رائعة.

وتعتبر الفنانة ساهر التي تبلغ من العمر 21 عاماً واحدة من بين ثمانية عازفين على آلة البيانو اختيروا عبر العالم بمناسبة الذكرى المئوية للفنان فريدريك شوبين العام 1997، وكانت أصغر العازفين الثمانية وبعدها توجهت إلى فرنسا للتخصص في البيانو وهي بصدد إنهاء آخر الشهادات من معهد «ألفريد كورتو» في باريس.


أصيلة تحتفل بمئوية الشاعر التشيلي الكبير بابلو نيرودا

بعد ليلة الاحتفاء بالشاعر الإفريقي الكونغولي تشيكايا أوتامسي، اختارت أصيلة أن تكون أيضا في الموعد إذ خلدت مئوية شاعر أميركا اللاتينية الكبير الشيلي بابلو نيرودا من خلال ندوة كبرى جمعت مثقفين ودبلوماسيين مغاربة وعرباً وأفارقة ومن أميركا اللاتينية وخصوصاً البيرو والشيلي، إذ أجمعت كلمات المشاركين على أن هذا الشاعر الإنساني تحول إلى رمز للتحرر ومحاربة الظلم في جمهورية التشيلي بأقصى الجنوب الغربي من أميركا اللاتينية، وفي مناطق كثيرة، إذ حمل مشعل النضال منذ البداية وجعل شعره انعكاسا لحياته التي كرسها للنضال ضد الظلم والاستعباد والوقوف إلى جانب المظلومين والفقراء والكادحين.

وخلال تداخله تطرق سفير التشيلي بالرباط أليخاندرو كارفاخال إلى محطات أساسية من حياة هذا الشاعر بدءا من طفولته البسيطة، حينما قرر أن يصبح شاعرا منذ كان عمره 15 عاماً ضدا على رغبة والده الذي كان يطمح أن يراه مهندسا أو محاميا إلى أن أصبح أشهر شاعر في التشيلي وأميركا اللاتينية بل في الأدب الإسباني و«صوت من لا صوت لهم»، موضحا أن «الشاعر بابلو نيرودا الذي حصل على جائزة نوبل للآداب العام 1971 استطاع تجميع كلمات بسيطة ومتداولة بشكل أصبحت معه محفورة في ذاكرة الناس إلى الأبد»، مذكرا بأن شعره الذي لم يتوقف عن الصدور تميز بنضاليته ورفضه للظلم ودفاعه عن الطبقات الضعيفة.

ومن جهته اعتبر موريسيو إيليكتورا الكاتب التشيلي الباحث في شعر نيرودا أن الأخير كان فعلاً «شاعرا لضمير الإنسان المعاصر وصوت من لا صوت له من خلال إيلائه الحيز الأكبر من شعره للقصيدة السياسية والشعر المناضل»، موضحا «أنه لم يكن فقط ممثلا للفلاحين والعمال التشيليين بل كان ممثلا لكل المستضعفين في أميركا اللاتينية»، ومعتبرا أن شعره أغنى المخيلة التشيلية بشكل كانت «التشيلي ستكون معه دولة مختلفة من دونه».

ومن أثينا تداخلت سفيرة الشيلي في اليونان مارسيا كوفاروبياس عبر شهادة تلفزيونية أكدت من خلالها أن من شأن الاحتفال بمئوية الشاعر نيرودا في المغرب أن يوثق العلاقات الثقافية المغربية التشيلية من جهة والعلاقات العربية الأميركية اللاتينية من جهة ثانية مذكرة بالحضور القوي لهذا الشاعر في الأدب التشيلي ومساهمته الكبيرة في إغناء التجربة الشعرية التشيلية.

أبرز المداخلات العربية كانت على لسان كل من المغربية عزيزة بناني والمصري محمد السلماوي.

في مداخلتها رأت عميدة جامعة المعتمد بن عباد الصيفية عزيزة بناني في أصيلة «أن أغراض شعر بابلو نيرودا تنوعت بين الحب والطبيعة والنضال»، مشيرة إلى أنه «الشاعر المناضل الذي كرس حياته للتنديد بالظلم السائد في العالم والمطالبة بالحق في الحرية لكل البشر، إذ جعل من شعره جسرا بين الشعوب للدفاع عن المظلومين منهم».

الجامعية المغربية أوضحت خلال تداخلها أن المغرب يعتبر أول بلد عربي وإفريقي وإسلامي يحتفل بمئوية بابلو نيرودا وهو الاحتفال الذي يأتي ثالثا بعد مئة احتفال سبق في بلدان كثيرة من العالم وعلى الخصوص التشيلي وباقي بلدان أميركا اللاتينية، وهي الاحتفالات التي أخذت أبعادا كبيرة، إذ نظمت اللقاءات وتليت قصائده وفتحت المتاحف المخلدة لاسمه، بل إن 30 مطعما من مطاعم البلد، تقول بناني، فتحت أبوابها لتقديم وجبات تضم مأكولات تطرق إليها بابلو في قصائده.

أما رئيس تحرير صحيفة «الأهرام إيبدو» المصرية الناطقة بالفرنسية محمد السلماوي فقد اعتبر «أن الشاعر بابلو نيرودا صاغ من الكلمات شعرا متميزا لم يأت به غيره»، مذكرا بأن ذيوع صيت بابلو في العالم العربي ارتبط بكون هذا الشاعر كان يمثل لحظتها نموذج الشاعر الملتزم بكل ما يحمله هذا النموذج من قوة في الوطن العربي الخارج لتوه من ربقة الاستعمار، موضحا «أن نيرودا شكل مثالا بالنسبة إلى الكثير من الشعراء في العالم العربي ورمزا للفن الملتزم والكفاح الأدبي ليس في التشيلي وحدها وإنما في باقي العالم الإسباني، فالعالم».


نيرودا في سطور

ولد الشاعر بابلو نيرودا في أسرة متواضعة العام 1904.

قضى طفولته بمدينة صغيرة تدعى تيموكو.

بدأ الكتابة في وقت مبكر على رغم معارضة والده، إذ توالت أعماله وأبرزها «حياة مليئة بالأسفار والتيه والمعنى».

أصدر العام 1923 ديوانه الاول «غسقي»، التحق العام 1941 بالحزب الشيوعي ما جعله عرضة للمتابعة الأمنية والاستخبارية في بلاده قبل أن يغادرها سريا العام 1949.

توج العام 1971 بجائزة نوبل للآداب.

منذ العام 1927 شغل نيرودا عدة مناصب قنصلية ودبلوماسية كان آخرها العمل في سفارة بلاده بباريس على عهد الرئيس الاشتراكي سلفادور أليندي.

وفي 24 سبتمبر/أيلول 1973 وبعد أسبوعين من انقلاب الجنرال أوغوستو بينوشي، توفي في عاصمة بلاده سانتياغو.

قال بابلو نيرودا يوما عن نفسه: «هكذا كل حياتي ذهبت وعدت وأغير الملابس والأرض»





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً